في لحظة فارقة من العبقرية الإدارية النادرة، قرّرت جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف، ممثلة في عمادة كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، أن تمنح قسم التاريخ شرف الصمت الأبدي، وأصدرت تعليمة داخلية بتاريخ 8 ماي 2025 ، تمنع فيها أساتذة القسم من الإدلاء بأي تصريحات لوسائل الإعلام الأجنبية … لا تتحدث، لا تشرح، لا تحلل … فقط درّس واصمت، وإلا !
القرار يرقى إلى أوسكار أفضل سيناريو إداري ساخر، فلا شيء يُعبّر عن النضج الأكاديمي مثل كمّ الأفواه بـ”تعليمة داخلية”، كُتبت بلغة بيروقراطية سامية، تطالب أساتذة التاريخ – لا سمح الله – بعدم التفوه بكلمة دون إذن، وكأنهم بصدد إطلاق صواريخ باليستية، لا مجرد تحليل لمعركة بدر أو مؤتمر يالطا.
الجامعة، في قمة حرصها على “صورة المؤسسة”، قررت أن الأكاديمي الجيد هو الأكاديمي الصامت. أما “الخطاب الأكاديمي المنسجم مع التوجيهات الرسمية”، فبات يُقاس بعدد المرات التي يقول فيها الأستاذ “حاضر سيدي العميد”. وكل تصريح خارج هذا الإطار ليس فقط جريمة فكرية، بل محاولة انقلاب على النظام الإداري القائم.
ولأن بعض الأساتذة تجرّأوا سابقًا على التحدث خارج نصوص البلاغات الرسمية، فالعقاب هو كمامة فكرية بمواصفات أمنية، توزّع مع شهادة الدكتوراه وتُشد بإحكام. أما من يرفض ارتداءها، فمصيره المساءلة… وربما النفي إلى قسم الفلسفة.
وسائل الإعلام الأجنبية؟ لا داعي للقلق! يمكنهم الاستعانة بمنجمين أو بخرائط الطاقة الكونية لفهم ما يدور داخل الكلية، فباب التصريحات أُغلق بالإسمنت المسلّح، ومفتاحه بيد قسم الإداريات، حيث الشفافية تمر أولاً عبر طابور طويل من الموافقات، والتوقيعات، وختم “وافقنا على السكوت”.
قسم التاريخ الآن … في راحةٍ أبدية. يدرّس الماضي لكنه ممنوع من الحديث عن الحاضر. أما المستقبل؟ فالله وحده يعلم، فربما ستُحظر المراجع المكتوبة بخط أجنبي، وربما يُطلب من المؤرخين تفسير كل الحقب التاريخية انطلاقاً من “الرؤية الرسمية المعتمدة”.
هنيئًا لنا بهذا الإنجاز الباهر! ففي زمن تُكمم فيه العقول باسم الانضباط، يصبح الصمت فضيلة… و”التاريخ” مجرد مادة تُدرّس بلا صوت.
09/05/2025