مليلية المحتلة – كواليس الريف :
في عرض جديد من عروض السياسة الإسبانية، يستعد رئيس الحكومة بيدرو سانشيز لقص شريط ما سُمِّي بـ”المستشفى الجامعي الجديد” في مدينة مليلية المحتلة، وذلك بعد سنوات من الوعود المتكررة، ومشروع طال انتظاره حتى نسيه البعض، ليظهر فجأة… بلا أسرّة، بلا طوارئ، بلا شيء تقريبًا سوى الجدران!
150 مليون يورو وقرابة عقدين من الزمن، لتدشين “مركز صحي موسَّع” إن صح التعبير، لا مستشفى بالمعايير المتعارف عليها. كل ما في الأمر بضع عيادات خارجية فتحت أبوابها، في حين غابت البنية التحتية الضرورية من غرف استشفاء، ومرافق جراحية، وأقسام طوارئ، ما دفع البعض إلى التساؤل: هل نحن أمام مشروع صحي فعلي، أم مجرد “خلفية ديكورية” لجلسة تصوير سياسية؟
الافتتاح، أو لنقل “العرض الرمزي”، جاء بعد تسعة أشهر من التحضيرات المكثفة، لكنه بدا وكأنه يُجهَّز لعرض مسرحي أكثر منه منشأة صحية. أما “إنخيسا”، الهيئة المشرفة على الصحة، فاكتفت بتقديم خطة تشغيل “تدريجية” فضفاضة، دون تحديد أي آجال زمنية واضحة، كما لو أن الزمن في مليلية يسير وفق تقويم خاص، لا علاقة له بحاجات السكان ولا بمعايير الخدمة العمومية.
الانتقادات لم تتأخر. فقد وصف نشطاء وأطر صحية المشروع بأنه “ديكور سياسي” بامتياز، صُمّم لتلميع صورة الحكومة في مدينة تعاني من التهميش، دون أدنى اعتبار للواقع الصحي المتردي. إحدى التصريحات ذهبت إلى حد وصف الافتتاح بأنه “حفل تنكري فاخر”، ينقصه فقط البساط الأحمر وفرقة موسيقية!
ويبدو أن حكومة “لا مونكلوا” قد أتقنت لعبة إعادة افتتاح نفس المشاريع أكثر من مرة، في كل مناسبة وحين، لإعطاء الانطباع بوجود “ديناميكية إنجاز”، بينما الحقيقة تقول عكس ذلك: لا أسرّة، لا أجهزة، لا طواقم جاهزة… فقط ابتسامات أمام الكاميرات.
بل إن زيارة سانشيز إلى مليلية تمر في هدوء شبه تام، وكأن الحكومة تدرك جيدًا أن لا أحد يصدّق بعد الآن هذه العروض المتكررة. فالمواطنون في مليلية لا يحتاجون إلى قص الشريط بقدر ما يحتاجون إلى سرير متاح، وطبيب حاضر، وقسم طوارئ يمكن أن ينقذ حياتهم.
في النهاية، نحن أمام نسخة مكررة من رواية إسبانية مملة: مستشفى يُعلن عنه، ثم يُفتتح رمزياً، ثم يُنسى، بينما يظل المواطن يتنقّل بين الوعود، في انتظار خدمة طبية تليق بكرامته وحقوقه.
السؤال الذي يتردد الآن على ألسنة الكثيرين: هل نحن أمام مؤسسة صحية حقيقية؟ أم مجرد صورة لبطاقة بريدية تُرسل من مدريد إلى الإعلام المحلي لتقول: “لقد فعلناها!”، بينما الواقع يقول: لم يحدث شيء!
ويبقى السؤال مطروحًا، بإصرار لا يخلو من مرارة: هل نحن فعلاً أمام مؤسسة صحية؟ أم أننا نشاهد فصلًا جديدًا من مسرحية بيروقراطية بعنوان “السراب المُجهَّز بأبواب أوتوماتيكية”؟ يبدو أن مدريد أرسلت إلى مليلية ليس مستشفى، بل “إيموجي مستشفى”… يلمع في الصور، ويتبخّر في الواقع !
في النهاية، ربما كان الأجدر بالحكومة أن تطلق على المشروع اسم “متحف الوعد الصحي”، يُزار للفرجة لا للعلاج، وتُوزَّع فيه النشرات بدل الوصفات، والابتسامات بدل الإسعافات. أما سكان مليلية، فبوسعهم الآن أن يطمئنوا: إن لم يجدوا طبيبًا، فليتأملوا الجدران… على الأقل طُليت حديثًا.
02/06/2025