بعد الانقطاع الكهربائي الشامل الذي شهدته شبه الجزيرة الإيبيرية، وجهت مدريد ولشبونة رسالة شديدة اللهجة إلى باريس مطالبتين بالتزامات قانونية وجدول زمني واضح لتفعيل مشروعي الربط الكهربائي العابر للحدود، واللذين ظلت فرنسا تؤجلهما لعقد من الزمن.
في أعقاب الانقطاع الكهربائي الضخم يوم 28 أبريل المنصرم ، الذي شلّ شبه الجزيرة الإيبيرية، رفعت إسبانيا والبرتغال مستوى الضغط على الحكومة الفرنسية، متهمتين باريس بتعطيل مشروعين حيويين للربط الكهربائي عبر جبال البيرينيه. هذه المشاريع من شأنها إنهاء العزلة الطاقية للمنطقة، وتعزيز قدرتها على مقاومة موجات التوتر الكهربائي.
في رسالة مشتركة، طالبت وزيرة التحول البيئي الإسبانية سارا آغيسين ونظيرتها البرتغالية ماريا دا غراسا كارفاليو، نظيرهما الفرنسي مارك فيراشي بتقديم “التزامات ملزمة” وجداول زمنية دقيقة لتنفيذ المشروعين، بعد أن تم استبعادهما من خطة تطوير الشبكة الكهربائية الفرنسية للفترة 2025-2035.
تسعى مدريد ولشبونة لعقد اجتماع ثلاثي هذا العام بمشاركة المفوضية الأوروبية لتشكيل “خارطة طريق مشتركة” تتضمن أهدافًا واضحة وتدابير عملية. وتؤكد الدولتان أن تسريع هذه الروابط ليس مجرد مصلحة وطنية، بل أولوية استراتيجية للاتحاد الأوروبي بأكمله.
المشروعان المعنيان هما:
-الربط بين أراغون وبيرينيه الأطلسية
-الربط بين نافارا ولانداس
وقد استُبعد كلا المشروعين من أولويات حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رغم أنهما حظيا سابقًا بتصنيف “مشاريع ذات أولوية أوروبية”.
وفي حال إنجازهما، سترتفع القدرة التجارية للربط الكهربائي بين فرنسا وإسبانيا من 2.800 ميغاواط إلى 8.000 ميغاواط، باستثمار يُقدّر بنحو 5 مليارات يورو.
تشير مصادر في شركة Red Eléctrica (المشغل الإسباني الوطني للكهرباء) إلى أن الربط مع فرنسا ساعد فعليًا في تخفيف حدة التقلبات بالشبكة الإسبانية يومي 22 و28 أبريل، حتى قبل اللجوء لتفعيل محطات الغاز. وهذا يعكس أهمية هذا الربط في ضبط توازن النظام الكهربائي.
وتصف الرسالة الوزارية المشتركة هذا الحادث بكونه “حدثًا غير مسبوق سلط الضوء على الدور الجوهري للتكامل الطاقي الأوروبي في ضمان الاستقرار تحت الضغط”.
في الداخل الإسباني، اشتعلت الاتهامات بين شركة Red Eléctrica وشركات إنتاج الطاقة الكبرى (مثل Naturgy وIberdrola وEndesa). اتهمت رئيسة Red Eléctrica، بياتريس كوريدور، هذه الشركات بعدم استجابة محطاتها بشكل ملائم أثناء الأزمة. أما تلك الشركات، فحمّلت المشغل الوطني المسؤولية باعتباره المسؤول الأول عن استقرار النظام.
وتدور في الخلفية مخاوف من مطالبات بتعويضات بملايين اليوروهات للمستهلكين الإسبان، في وقت لا تزال فيه Red Eléctrica ترفض أي التزام فوري بالتعويض. بانتظار نتائج التحقيق الحكومي، لا يُستبعد أن تتطور القضية إلى معركة قضائية.
تشدد الرسالة الإيبيرية على أن عزلة شبه الجزيرة الطاقية – حيث لا تتجاوز نسبة الربط مع أوروبا 3% مقابل هدف أوروبي بـ10% بحلول 2025 – تُعدّ “نقطة ضعف هيكلية” تمس أمن الطاقة الأوروبي.
وتضيف أن تحسين الربط الكهربائي سيساهم كذلك في خفض أسعار الكهرباء وتوفير ممر لتصدير الطاقة النظيفة والرخيصة من إسبانيا والبرتغال نحو دول أوروبية مثل ألمانيا، التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على الطاقة النووية الفرنسية.