حطّت، كما هو معلومٌ، وريثةُ العرش الإسبانيّ الأميرةُ ليونور صباحَ السبت في سبتة المحتلّة لتشارك في فعاليةٍ عسكرية تُخلِّد ما يُعرَف بـ«السبت اللَّخيوني»؛ تقليدٍ ضبابيٍّ لا أحدَ يكاد يجزم متى بدأ، أو لِمَ تُصرّ مدريد على إحيائه كلّما تعثّر ملفّ السيادة.
أُقيمت المراسم داخل ثكنة «غارسيا ألدابي»، القلبِ الفولاذيِّ لما يُسمَّى «الفوج الثاني دوق ألبا». بدا المشهدُ محاولةً يائسةً لتلميع حضورٍ ملكيٍّ باهتٍ بهالةٍ بطولية: لا صحافة، لا صور، ولا حتى إشارةُ هاتف. كأنّ الزيارة حدثٌ يُروى ولا يُرى!
المفارقة أنّ الأميرة لم تهبط من سيارةٍ دبلوماسيةٍ أو طائرةٍ ملكية، بل جاءت على ظهر الفرقاطة الحربية «بلاس دي ليزو»؛ رسالةٌ جليّة مفادها أن مدريد تكتب مذكِّراتها إلى الرباط بحبرٍ عسكريٍّ… ولو بزخرفة ابتسامةٍ أميريّة!
ولم تكتفِ الزيارة بتلك الرمزيّات؛ فقد تزامنت—صدفةً عجيبةً أم تدبيرًا مُحكمًا، من يدري؟—مع رسوّ حاملة الطائرات «خوان كارلوس الأوّل» في ميناء سبتة ضمن مناورات «ديدالو 25-2». تدريبٌ في العلن واستعراضٌ مُتعمَّد للقوّة في مياهٍ ما زالت مثارَ جدلٍ في الكواليس.
في الخلفية تتردّد العبارةُ غير المُعلنة: «العرش لا ينسى مستعمراته». وإن تزيّن الحدث بشعارات تكريم الجنود، تظلّ الأرضُ التي وطِـئَتها الأميرة أرضًا لم تعترف مدريد يومًا بأنّها محلُّ نزاع، بل تراها «جزءًا لا يتجزّأ من التراب الوطني»… متجاهلةً صرخات التاريخ والجغرافيا والجوار.
ستُسجَّل زيارةُ ليونور في دفاتر المناسبات العسكرية، لكنّها ستُقرأ—حتماً—في دفاتر السياسة والدبلوماسية فصلًا جديدًا من فصول التأكيد الرمزيّ على احتلالٍ تحاول مدريد تغليفه بالابتسامات والرُّتب، فيما عيونُ الضفّة الأخرى ترصُد كلّ خُطوة… وكلّ سبت.
«السبت اللَّخيوني» فعاليّةٌ عسكريةٌ رسميةٌ تُقام في سبتة المحتلّة تكريمًا لـ«الأسرة اللَّخيونيّة» وكلِّ من سقط أثناء أداء «العقيدة اللَّخيونيّة». الحدث فرصةٌ لاستعراض الروابط بين الفيلق والمدينة، ولا سيّما أنّ «الفوج الثاني دوق ألبا» يرابط هناك منذ عقود—تمامًا كحارسٍ لمتحفٍ استعماريٍّ يرفض الاعتراف بأنَّ الزمن قد تغيّر.
هكذا إذن: يُعاد إحياء «سبتٍ» آخر على إيقاعِ البزّات المكويّة والقبعات المائلة، لعلّ الصدأ الاستعماري يلمعُ قليلًا تحت أضواء الطبول. ومع أوّل موجةٍ هادئةٍ تعبر مضيقَ جبل طارق، سيغادر الضيوف، وتبقى سبتةُ تنتظر سبتًا قادمًا… علَّه يكون أقلَّ «لخيونية» وأكثرَ صدقًا مع التاريخ.