في مهمة شبه احتفالية تحمل نَفَسًا عسكريًا ونَفَسًا استعماريًا في آنٍ معًا، أنهت الباخرة العسكرية الإسبانية Mar Caribe جولته النصف سنوية لتزويد الحاميات العسكرية المنتشرة فوق الصخور والجزر المتناثرة قبالة السواحل المغربية، بما يُعرف رسميًا في الأجندة الإسبانية بـ”الجزر والأراضي ذات السيادة”. لكن في المنطق المغربي، تبقى تلك النقاط المتناثرة شظايا استعمار بائد، تُمده مدريد بالوقود والماء، لتبقيه صامدًا فوق صخور معزولة لا تتجاوز مساحتها ملعبًا صغيرًا.
خلال الأشهر الأخيرة، قطعت السفينة مار كاريبي أكثر من 1250 ميلاً بحريًا لتوزيع ما يزيد عن 1800 طن من الماء و65.500 لتر من الوقود على مواقع مثل جزيرة البوران، وصخرة الحسيمة، وصخرة بادس، وجزر الشفارين{الجعفرية} بكبدانة ، مرورًا بمحطات التزود في سبتة ومليلية المحتلتين. المهمة التي بدت في ظاهرها تقنية، تحمل في جوهرها رسالة سياسية واضحة: مدريد لا تزال تعتبر هذه البقع الصخرية قواعد أمامية لترسيخ “السيادة” داخل فضاء جغرافي هو في الأصل مغربي السيادة والتاريخ والموقع.
السلطات الإسبانية، عبر تقارير إعلامية رسمية، أعلت من شأن الطاقم الذي يقوده القبطان ألفارو دي أوغستين بوا، ووصفت السفينة بأنها “متعددة المهام”، بينما اعتبر الطاقم نفسه “عائلة بحرية صغيرة”، تَؤمِن بروح العمل الجماعي وسط أمواج البحر. جميل هذا التصوير الحالم، لولا أن الوجهة ليست جزيرة نائية في الكاريبي بل صخرة مغربية قُدّر لها أن تحمل فوقها عناصر مسلحة منذ عقود، دون وجه شرعي.
الباخرة، التي شُيّدت أصلًا في سبعينيات القرن الماضي، ستدخل قريبًا مرحلة صيانة مبرمجة. ومعها، قد تدخل الرواية الإسبانية القديمة حول “السيادة الموروثة” أيضًا في وضع الصيانة… تلك الرواية التي تصمد فقط فوق ظهر باخرة، وتحت غطاء الوقود والماء، لا عبر التاريخ ولا عبر المنطق.
كم هو مؤثر أن ترسل دولة عصرية باخرةً ضخمة، مدججة بالماء والبنزين والنوستالجيا الإمبراطورية، لتسقي صخرة جرداء لا يسكنها غير الريح… ثم تسمي ذلك “مهمة سيادية”!
كم هو عظيم أن يتحول الجندي إلى سبّاك والقبطان إلى موزع مياه، فقط ليُقنعونا أن الوجود الإسباني فوق جزر مغربية معزولة، هو وجود “لا يقبل التفاوض”.
08/07/2025