بينما تُرفع شعارات “الميثاق الجديد للاستثمار” على امتداد خريطة المملكة، وتُعقد الاجتماعات وتتوالى الندوات حول تحفيز مناخ الأعمال، تعيش مدينة الناظور على إيقاع شلل اقتصادي شبه كامل. مشاريع معلّقة، مقاولات تختنق، وعقارات حبيسة وثيقة واحدة تُدعى “رخصة السكن”، التي تحوّلت إلى كابوس جماعي يُجهض كل محاولة للنهوض الاقتصادي.
في الوقت الذي يُراهن فيه المغرب على الميثاق الجديد للاستثمار بوصفه بوابة لتشجيع المستثمرين، وخلق مناصب الشغل، وتقليص الفوارق المجالية، تصطدم الناظور – بجدار صلب من البيروقراطية وجمود القرار المحلي، وكأن المدينة خارج خارطة الإصلاحات الوطنية الكبرى.
هذا الجمود يزداد ثقلاً في مدينة حدودية مثل الناظور، التي عاشت لعقود طويلة على دينامية المعابر مع مليلية المحتلة، وما كانت توفره من موارد وإن كانت غير مهيكلة. ومع إغلاق هذه المعابر نهائياً، والقضاء التام على التهريب المعيشي، وغياب بدائل اقتصادية ملموسة، أصبحت المدينة تواجه فراغاً تنموياً مرعباً.
فكيف يُعقل أن يُغلق باب التهريب دون أن يُفتح باب الاستثمار؟
كيف يُجفّف مصدر رزق آلاف العائلات دون أن تُخلق فرص شغل بديلة؟
وكيف يُعقل أن تُربط كل المبادرات الاقتصادية برخصة سكن قد تكون مستحيلة في كثير من الحالات، رغم أن البنايات قائمة، مأهولة، ومُشيّدة في الغالب وفق ترخيص قانوني ، رغم وجود بعض الرخص الموقعة بطرق غير قانونية ؟
النتيجة ؟ ركود شامل في حركة المقاولات الصغرى والمتوسطة، التي تُعد العمود الفقري لأي نسيج اقتصادي محلي. هذه المقاولات التي يُعوّل عليها في امتصاص البطالة ودعم المشاريع الكبرى، تجد نفسها عاجزة حتى عن فتح محل بسيط … بسبب وثيقة !
وهنا تبرز المفارقة المؤلمة: الدولة تنادي بدعم المقاولين الشباب والنساء، وتحقيق الإدماج الاقتصادي لفئة المراهقات والشابات، لكن في الناظور، الواقع يُسجّل غيابًا تامًا لأي منصة يمكن أن تحتضن إبداعاتهن أو تفتح أمامهن الأفق لإنشاء مشاريع صغيرة تُعزّز استقلاليتهن وتُقلّص من تبعيتهن للبطالة أو الهشاشة الاجتماعية.
مراهقات الناظور، اللائي كان من الممكن أن يبدأن من ورشة خياطة، أو محل تجميل، أو تعاونية رقمية، يجدن أنفسهن خارج معادلة التنمية، فقط لأن العقار الذي يحتضن أحلامهن “لا يتوفّر على رخصة سكن”!
وهكذا، تُدفن الأحلام في المهد، ويُترك لهن هامش محدود من الأمل في بيئة لا تعترف بطموحاتهن.
أما المجلس الجماعي الفاشل ، فحدّث ولا حرج. يكتفي بإلقاء الكرة في ملعب السلطة، رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها عامل الإقليم جمال الشعراني ، دون أن يتحمّل ( المجلس ) مسؤوليته في البحث عن حلول واقعية، أو حتى الاجتهاد في الترافع عن الساكنة.
كان الأجدر به أن يُدرج نقطة واضحة في جدول أعمال دورة المجلس، من أجل إصدار شهادة إدارية موازية لرخصة السكن إلى حين التسوية الشاملة. لكن المجلس، كما يرى المواطنون، يُجيد فنّ الاجتماعات الفارغة، ويُتقن الغياب عن المعارك الحقيقية التي تهمّ حياة الناس.
ولا يمكن الحديث عن أزمة الناظور دون التطرّق إلى الأثر الكارثي على العائلات التي تعيش من عائدات الكراء. فبفعل توقّف منح الرخص، تحوّلت مئات الشقق والمحلات إلى عقارات “ميتة اقتصاديًا”، ممنوعة من الكراء، مُجرّدة من قيمتها الاستثمارية… وكأن المدينة تُعاقب سكانها على رغبتهم في تحريك العجلة !
ولعلّ السؤال الذي يطرحه كل الناظوريين اليوم : هل سيتدخّل عامل الإقليم، جمال الشعراني، لتقويم هذا الاعوجاج الإداري في سلوك المنتخبين المسؤولين في جماعات الإقليم، الذي يُفرمل كل نفس تنموي؟
الميثاق الجديد للاستثمار ليس حبراً على ورق. ولن يكون له أثر فعلي ما دامت مدن مثل الناظور تفتقر إلى الحد الأدنى من الحركية الاقتصادية، بسبب منطق إداري متجاوز، ومجالس جماعية تخلّت عن دورها الحقيقي.
ومن أولويات إنقاذ مدينة الناظور إقتصاديا ، فتح المجال أمام المقاولات الناشئة للشباب ، وتمكينهم من أدوات الفعل الاقتصادي، لا الاكتفاء بخطب التمكين في المؤتمرات الرسمية.
11/07/2025