في عملية أمنية دقيقة وُصفت بأنها “ضربة موجعة للبنية التحتية للتهريب المنظّم”، تمكنت الشرطة الوطنية الإسبانية من مصادرة ما يقارب 70 ألف لتر من الوقود المُعدّ خصيصًا لتغذية الزوارق السريعة المعروفة بـ”الناركولانشات”، التي تُستعمل على نطاق واسع في نقل الحشيش والكوكايين بين الضفتين الأوروبية والمغربية.
شبكة محكمة وأسلوب تهريب متطور
الكمية المحجوزة، التي وُضعت داخل أكثر من 2800 حاوية بلاستيكية ضخمة، كانت موجهة إلى عمليات “البطاكيّو” – الاسم المحلي لعمليات التزود السريع بالوقود في عرض البحر، بعيدًا عن أعين المراقبة الجوية أو البحرية. هذه الحاويات جرى ضبطها في مواقع متفرقة، وأُحيلت إلى السلطات القضائية للتحقيق، وسط توقعات بفتح ملف جديد يتعلق بتمويل ودعم لوجستي واسع النطاق لشبكات تهريب دولية.
الرصد والتدخل: تنسيق استخباراتي واستباق ميداني
وبحسب مصادر أمنية ميدانية، فإن العملية جاءت بعد أسابيع من الرصد الاستخباراتي المكثف والتنسيق بين وحدات التدخل السريع والشرطة القضائية، حيث تم خلال تلك الفترة مصادرة 11 زورقًا عالي السرعة، بعضها كان على وشك الانطلاق بعمليات تهريب وشيكة.
في إحدى أبرز محطات هذه الحملة، تمكنت عناصر الشرطة في 15 يوليوز الجاري بمدينة خيريث دي لا فرونتيرا من اعتراض شاحنة تابعة لشركة كراء، كانت تنقل نحو 195 حاوية تحتوي على ما يقرب من 5 آلاف لتر من الوقود، قبل أن يفرّ سائقها من مكان العملية، تاركًا خلفه حمولة يُشتبه أنها كانت موجهة لزوارق تهريب جاهزة في السواحل الجنوبية.
الوقود… شريان “الناركولانشات” وأحد أعمدة التهريب البحري
وفق خبراء أمنيين، فإن قطع الإمداد بالوقود يشكل إحدى أنجع الاستراتيجيات لشلّ حركة زوارق التهريب، التي تعتمد على قدرات هائلة في السرعة والمناورة، حيث تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 100 كلم/ساعة، وتتفوق على وسائل المطاردة التقليدية.
لذلك، فإن استهداف ما يُعرف بـ”شبكات التزود” يمثّل اختراقًا حاسمًا في الحرب ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود، لا سيما حين تكون هذه الشبكات مدعومة بتمويلات ضخمة وبنية تحتية متطورة تشترك فيها شبكات توزيع، ونقاط تزود، وسائقون مأجورون.
وتكشف هذه الحملة الأمنية أن إسبانيا باتت تعتمد على مقاربة متعددة المستويات، لا تكتفي بملاحقة الزوارق أو مهربي المخدرات في عرض البحر، بل تستهدف سلاسل التوريد البرية التي تُشكل العمود الفقري لهذا النشاط غير المشروع. هذه المقاربة تُعيد رسم خطوط المواجهة وتُفكك تدريجيًا البُنى التنظيمية لمافيات التهريب.
ويأتي هذا التحرك في سياق تصاعد التنسيق الأمني بين مدريد والرباط، خاصة بعد نجاح البلدين في تفكيك شبكات متفرعة بين جنوب إسبانيا وشمال المغرب، في إطار اتفاقات التعاون المشترك في محاربة الجريمة المنظمة والاتجار الدولي في المخدرات.
ويرى مراقبون أن موسم الصيف الحالي سيكون حاسمًا في معركة السيطرة على المضيق، في ظل تصاعد محاولات التهريب واستغلال الزخم السياحي المدني كغطاء للأنشطة غير القانونية. كما يُتوقع أن تتوسع هذه العمليات لتشمل نقاط إمداد أخرى تمتد من قادش إلى هويلفا وحتى ألميرية.
16/07/2025