في مشهد سياسي يُجسّد هشاشة التحالفات داخل حكومة الاحتلال، أعلن مجلس حكماء التوراة التابع لحزب “شاس” المتدين انسحاب الحزب من الحكومة، في خطوة مفاجئة جاءت بعد فشل التوصّل إلى تسوية مُرضية حول قانون التجنيد الإجباري لطلاب المعاهد الدينية.
وتزامن هذا القرار مع انسحاب موازٍ لحزب “يهدوت هتوراة”، ما يُنذر بتفكك العمود الفقري للائتلاف الحاكم، ويضع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أمام واحدة من أعقد أزماته منذ بداية العدوان على غزة.
القرار جاء بعد أسابيع من الجدل الحادّ حول بنود مشروع قانون التجنيد، خاصة تلك المتعلقة بإجبار طلاب المدارس الدينية على توقيع الحضور عبر “بصمة الإصبع”، واشتراط الإعفاء بعد تسجيلهم الرسمي ضمن قواعد بيانات الجيش الإسرائيلي، وهي خطوات اعتبرها الحريديم “إهانة غير مسبوقة لكرامة أبناء التوراة”.
وزير الشؤون الدينية عن حزب “شاس”، ميخائيل مالكيئيلي، صرح بأن حزبه “لن يتحالف مع المعارضة”، لكنه في الوقت ذاته حثّ نتنياهو على “السير نحو صفقة تبادل أسرى”، في محاولة للالتفاف على المأزق السياسي دون خسارة قاعدته الدينية.
اللافت في موقف “شاس” أنه لا يشمل الانسحاب من الكنيست أو التنازل عن رئاسة اللجان البرلمانية التي يترأسها نوابه، بل يقتصر فقط على المناصب الحكومية التنفيذية، ما يعني بقاء الحزب داخل اللعبة السياسية ولكن من بوابة الضغط لا الشراكة.
في بيانه الرسمي، هاجم مجلس حكماء التوراة بشدة ما أسماه بـ”الإهانة الموجهة لأبناء التوراة”، مؤكداً أنه “لا يمكن الاستمرار في حكومة تُذلّ الحريديم”، لكنه في الوقت ذاته رفض أي تعاون مع المعارضة اليسارية التي “قادت حملات التحريض” ضدهم، وفق تعبير البيان.
يرى مراقبون أن انسحاب “شاس” ليس سوى ورقة ضغط مرحلية لإعادة صياغة قانون التجنيد بما يتماشى مع مطالب الحريديم، خصوصاً في ظل الأجواء السياسية المحتقنة واحتدام الصراعات الداخلية في إسرائيل.
فالمفارقة الساخرة أن أحزاب الحريديم التي ترفض الخدمة العسكرية باسم التفرغ للدراسة الدينية، ما تزال تحكم قبضتها على مفاصل القرار السياسي وتُعيق تمرير قوانين مصيرية، بينما يُطلب من شباب العلمانيين الدفاع عن “أمن إسرائيل” على جبهات الجنوب والشمال.
وهكذا، باتت حكومة الاحتلال التي تدّعي “أقوى ديمقراطية في الشرق الأوسط”، مهددة بالانهيار بسبب خلاف على جهاز بصمة!
في الوقت الذي يُغرق فيه نتنياهو غزة بالنار والدمار، ويبعث بوزير أمنه إلى واشنطن متوسلاً دعمًا جديدًا، تنهار حكومته تحت ضغط الحريديم الذين يرون في “ختم دخول المعهد” تهديدًا وجوديًا أكبر من صواريخ حماس!
16/07/2025