في مشهد مؤلم هزّ الرأي العام بمدينة طريفة الإسبانية، أوقفت عناصر الشرطة المحلية قاصرًا من أصل مغربي بعد أن اعتدى بعنف على والدته وشقيقته في الشارع العام، على مرأى من المارة، في محيط ميناء المدينة الذي يعد معبرًا رئيسيًا بين أوروبا والمغرب، خاصة خلال موسم عودة الجالية.
الضحية، وهي أم مغربية تقيم بهولندا، كانت رفقة ابنتها في طريقهما نحو أرض الوطن لقضاء العطلة الصيفية، قبل أن تتحول رحلتهما إلى كابوس أمام سلوك عنيف من ابنها القاصر، الذي لم يتردد في تعنيفها جسديًا ولفظيًا. تدخل عدد من المواطنين الإسبان الذين عاينوا الحادث كان حاسمًا في إشعار الشرطة، التي حضرت على وجه السرعة وأوقفت المعتدي وهو في حالة تلبس.
ورغم هول المشهد، أكدت مصادر أمنية أن حالة الضحيتين مستقرة، وأنهما تلقيتا الإسعافات الأولية بمكان الحادث، قبل نقلهما إلى مركز صحي لمزيد من الفحوصات.
الحادثة المؤسفة أعادت إلى الواجهة ظاهرة باتت مقلقة داخل بعض الأوساط من الجالية المغربية المقيمة بهولندا، وهي تزايد سلوكيات التمرد والعنف الأسري، خاصة في صفوف القاصرين الذين نشأوا في بيئات ثقافية وقانونية تختلف جذريًا عن منظومة القيم المغربية، وعلى رأسها حرمة الوالدين واحترام الروابط العائلية.
ويرى مختصون أن “عقوق الوالدين” لم يعد مجرّد انزلاق فردي، بل نتيجة مباشرة لفقدان البوصلة التربوية بين جيلين يفصلهما الزمن والثقافة والهوية. وغالبًا ما يتفاقم الوضع عند السفر الجماعي نحو المغرب، حيث تظهر النزاعات المكتومة وتتفجّر في لحظات التوتر أو الخلاف.
بعيدًا عن المعالجة الأمنية المباشرة، تطرح الحادثة تساؤلات جوهرية حول غياب منظومة وقائية تستبق مثل هذه المآسي، سواء من خلال التوجيه الأسري، أو عبر الدعم النفسي والتربوي لأبناء الجالية المغربية في أوروبا، خاصة أولئك الذين يتنقلون بين عالمين دون تأطير كافٍ.
وتكشف المعطيات أن فئة من القاصرين، خاصة من أبناء مغاربة هولندا وبلجيكا، يعانون من ضغوط الهوية والانتماء، وغالبًا ما تُترك مشاكلهم دون مرافقة جدية، ما يجعلهم عرضة لسلوكيات متهورة، قد تتحول إلى عنف تجاه الأهل أو المجتمع.
من جهتها، دعت مصالح الشرطة الإسبانية سكان المدينة إلى عدم التردد في التبليغ عن أي سلوك عنيف أو خطير، مشيدة بدور المواطنين الذين تدخلوا بسرعة لإنقاذ الضحيتين. كما شددت على أهمية التعاون المجتمعي في الوقاية من ظواهر العنف الأسري، وخاصة في السياقات العابرة للحدود.
أما على المستوى المغربي، فتبقى الحاجة ملحّة إلى بلورة إستراتيجية وطنية مشتركة بين القطاعات المعنية (الهجرة، الشؤون الاجتماعية، التعليم، والعدل)، لمواكبة الجالية وتحصين أبنائها من الانزلاق، خاصة في ما يتعلق بتقديس الروابط الأسرية وصون كرامة الأم.
ففي زمن العولمة الرقمية وتعدد المرجعيات، لم يعد كافيًا الاكتفاء بالشعارات، بل لا بد من تمكين الأسرة المغربية في الخارج من أدوات المواجهة والوقاية، حفاظًا على تماسكها وهويتها، وصونًا لقيمنا التي تشكّل العمق الأخلاقي لمجتمعنا داخل الوطن وخارجه.
18/07/2025