لا تزال مأساة الأسرة المغربية المكوّنة من جمال زريوح وزوجته شيماء ميمون تفضح زيف شعارات حكومة مليلية، تلك الحكومة التي لا تُتقن سوى توزيع الوعود «الناعمة» وترك المغاربة القاطنين في الثغر السليب يواجهون التشرد بظهورٍ منحنية أمام أبواب الإدارات الباردة.
قبل أكثر من شهر ونصف، إنهار سقف منزل جمال وشيماء على رأسيهما وطفليهما. ولولا ألطاف الله، لتحوّلت الحادثة إلى مأساة بشرية جديدة تُضاف إلى أرشيف «الإنجازات» الذي يتباهى به مسؤولو الثغر كلما سنحت لهم فرصة خطابية فارغة. وما يزيد الطين بلّة أن العائلة نبّهت مصالح «السياسات الاجتماعية» وشركة الإسكان «إيمفيسمسا» التابعة لحكومة الاحتلال، منذ أكثر من ثمانية أشهر، إلى خطورة المنزل والأمراض التي سبّبها الأسبستوس والرطوبة لطفلتهما الصغيرة. لكن يبدو أن الإدارة النائمة لا تستيقظ إلا عندما يقع السقف فعلًا على رؤوس ذوي الأصول المغربية ، لتتذكّر بعدها أنها تملك مكاتب وتقارير وأختامًا !
وبعد الكارثة، لم تجد سلطات مليلية حلًّا سوى ترقيع المأساة بدفع تكاليف إقامة الأسرة في فندق لبضعة أيام، وكأن مأساة أسرة بأكملها تُحلّ ببضع ليالٍ من «كرم» مؤقت. ثم ما لبثت حكومة الاحتلال أن عرضت ـ بكرمٍ فائقٍ هذه المرة ـ إيواء الأسرة في مأوى «سان فيسنتي دي باول» الذي وصفته شيماء بدقة: «ذلك مجرد سرير مستعار، والسرير المستعار لا يصنع بيتًا ولا يردّ كرامةً ضائعة».
منذ ذلك الحين، تخوض الأسرة صراعًا مريرًا مع دوامة الورق والوعود التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، فشركة «إيمفيسمسا» تشترط تقرير «الهشاشة» كمدخل لأي حلّ، بينما التقرير نفسه تاه في أدراج مكاتب «كوريا» التي يعرفها أهل مليلية السليبة بأنها المكان المثالي لدفن شكاوى الفقراء بدلًا من إنصافهم. وتؤكد شيماء أن موظفة هناك لم تجد ما تقدّمه لهم سوى السخرية والأوامر بعدم استقبالهم أو إبلاغهم بأي جديد، وكأنها تحتفل كل ليلة برؤية أسرة مغربية تفترش الرصيف.
وبينما يراهن المسؤولون على الوقت والبيروقراطية، رفض جمال وشيماء هذا «الحل الكاذب» للمأوى لأنه يجبرهم على مغادرته كل صباح تحت الشمس ولساعات طويلة، في مشهد يضاعف معاناة طفلهم المريض بالتوحّد وفرط الحركة، وكأن العقاب الجماعي صار سياسة اجتماعية جديدة. رجال الإطفاء أكدوا أن بيتهم «غير صالح للسكن»، لكن «إيمفيسمسا» ما تزال تنتظر «تقرير الهشاشة» الذي لا أحد يعرف متى سيولد من رحم مكاتبهم التي تجيد فنّ التجميد.
ولم تجد شيماء أمامها سوى طرق الأبواب الموصدة مرة أخرى، إذ قصدت الثلاثاء الماضي مكتب مندوبية السياسات الاجتماعية للقاء المسؤولة رندا محمد، لكنها فوجئت بأنها «في اجتماع مهم»، لأن الأولوية ـ كما يبدو ـ للملفات الورقية لا للناس الذين ينامون في الشارع.
ووسط هذه المتاهة، تهمس شيماء بصوت تختنقه الدموع: «ليت مسؤولي الحكومة يجرؤون يومًا على وضع أنفسهم مكاننا. فقط تخيّلوا أن هذين الطفلين هما أطفالكم. هل تقبلون لهم ذلّ الشارع؟».
لكنّ زوجها جمال، رغم محاولاته الصامدة، لم يعد قادرًا حتى على الوقوف إلى جانبها في كل مرة، إذ تدهورت حالته الصحية وبات يحتاج إلى جراحةٍ وعلاجٍ في مدريد، لا يملك لا تكاليفه ولا القدرة على الوصول إليه.
وبلا عملٍ، ومع معاش هزيل لا يتجاوز 800 يورو، يصبح حلم استئجار بيت في مليلية المحتلة سرابًا لا يصدّقه حتى أكثر الناس تفاؤلًا. ومع اقتراب الدخول المدرسي، وتراكم فواتير العلاج والتأمين الصحي المضاعف بسبب تردي الخدمات الصحية في الثغر المحتل، تتضاعف هموم الأسرة يومًا بعد يوم. ورغم كل الوعود الجديدة بأن ملفهم «جاهز»، يؤكد جمال أن ثقته في «حكومة الوعود» تبخّرت منذ اللحظة التي ذاق فيها مرارة التشرد وتعرّف عن كثب على «كرم الاحتلال» الزائف.
وبين كل هذه الأبواب الموصدة، لم يبقَ أمام جمال وشيماء سوى الأمل الأخير: الاعتصام والاحتجاج السلمي حتى كسر جليد الإدارات الباردة وانتزاع حقٍّ بسيط من بين أنياب «اللافتات الاجتماعية» التي يرفعها الاحتلال لتجميل وجهه أمام الكاميرات.