في تصريح لافت يعكس حجم القلق الكامن في الأوساط العسكرية الإسبانية، خرج الجنرال المتقاعد رافائيل دافيلا ليقرّ صراحة بأن المغرب يشكّل ما وصفه بـ«التهديد الواضح» لإسبانيا، محذرًا من هشاشة الوضع في سبتة ومليلية المحتلتين أمام التحولات الجيوسياسية المتسارعة في شمال إفريقيا.
وخلال مقابلة صحفية مع موقع إسباني، لم يتردد دافيلا في الاعتراف بأن هاتين المدينتين المغربيتين، اللتين ما تزالان تخضعان لاحتلال تاريخي، تمثلان في نظر المؤسسة العسكرية الإسبانية «هدفًا حساسًا» في معادلات التوازن الإقليمي، معتبرًا أن موقعهما الجغرافي الفريد والضغوط السكانية والظرف الدولي الراهن كلها عناصر تجعل منهما نقطة ضعف كامنة في خاصرة الدولة الإسبانية.
وبينما حرص الجنرال المتقاعد على الدعوة إلى «تعزيز الوجود العسكري» و«رفع منسوب الجاهزية»، أغفل عمداً حقيقة أن المدينتين ليستا سوى شاهدين حيّين على التبعات المتبقية لحقبة استعمارية لم يعد لها مكان في زمن يزداد فيه الوعي بالحقوق التاريخية والسيادة الوطنية.
كما حملت تصريحات دافيلا انتقادًا ضمنيًا لصنّاع القرار في مدريد، إذ أبدى أسفه لما سماه «تراخيًا مؤسسيًا» تجاه ما يعتبره تمددًا طبيعيًا لدور المغرب الإقليمي وحقه المشروع في صيانة وحدة ترابه واسترجاع أراضيه كاملة. ولا يخفي الجنرال أن المغرب اليوم يضع سبتة ومليلية ضمن ثوابته الوطنية، إذ يدرّس هذا المعطى في مناهجه التعليمية، ويطوّر قدراته الدفاعية في إطار رؤية استراتيجية واضحة لتعزيز أمنه القومي وحضوره القاري.
ولعل الأهم فيما لم يُصرّح به دافيلا صراحة هو ذلك القلق العميق من تحولات موازين القوى في القارة الإفريقية، لاسيما مع تنامي أدوار قوى إقليمية وازنة في مناطق مثل الساحل، حيث تنكمش مظلة النفوذ الأوروبي لصالح شراكات جديدة وواقع سياسي يبتعد عن منطق الهيمنة القديمة.
وتأتي هذه التصريحات لتعيد إلى الواجهة في الداخل المغربي أولوية ملف المدينتين المحتلتين وضرورة التعاطي معه بروح هادئة ورؤية استراتيجية، بعيدًا عن الانفعال الآني، خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من أزمات حدودية وملفات عالقة على رأسها الهجرة وترسيم الحدود البحرية. وتؤكد في الوقت نفسه أن المؤسسة العسكرية الإسبانية لم تعد تخفي خشيتها من مسلّمة تاريخية لا يسعها إنكارها: سبتة ومليلية جزء لا يتجزأ من السيادة المغربية، واستعادتهما مسألة تراكم زمني وإرادة جماعية وصبر استراتيجي.
وفي ختام المشهد، قد يرى البعض في رفع ميزانيات التسلح أو تضخيم الخطابات الأمنية محاولة يائسة لإطالة عمر واقعٍ يتآكل بفعل الحقائق الثابتة. فتاريخ هذه الأرض وجغرافيتها لا يقبلان الالتباس: السيادة حقٌ لا يسقط بالتقادم، والوعي الوطني اليوم أكثر رسوخًا من أن يُرهن ببقايا حاميات أو خطابات متحفّظة. ستظل سبتة ومليلية عنوانًا مفتوحًا للإنصاف التاريخي، وستعودان حين تنضج اللحظة وتكتمل عناصرها في إطار من الحكمة والتبصّر والمسؤولية المشتركة.
31/07/2025