في سيناريو لا يقلّ حبكة عن أفلام الجريمة المنظمة، فجّرت السلطات الإسبانية واحدة من أكبر قضايا التهريب في سبتة المحتلة، بعدما كشفت “عملية هاديس” عن شبكة معقّدة ضمّت مسؤولين أمنيين وسياسيين سهّلوا مرور أطنان من الحشيش المغربي عبر نفق سري يمتدّ من المدينة إلى ما يُعتقد أنه عمق التراب الوطني المغربي.
القضاء الإسباني، الذي يتحرّك بثقة تحت ضغط الرأي العام، قرّر تشديد الخناق على المتهمين، ورفض جميع طلبات الإفراج المؤقت، استنادًا إلى ما وصفه بـ”خطر الفرار” وحجم الملف، الذي لم يعُد يُعامل كحالة فساد فردي، بل كقضية اختراق مؤسسي وهيكل إجرامي متكامل.
ورغم المحاولات المتكررة من الدفاع لتقليل حجم التهم أو إلباسها طابعًا شخصيًا، واجهتهم المحكمة بوثائق مسجّلة، وبيانات مشفّرة، واتصالات لوجستية تؤكد أن ما جرى لم يكن مجرد انزلاق مهني، بل مشروع تهريب منظم، جرى تحت مظلة ما يُفترض أنه جهاز لحماية القانون.
وقد قادت التحقيقات إلى اكتشاف نفق سري استُخدم لتمرير أكثر من 1.3 طن من الحشيش، جرى تهريبها بتنسيق أمني دقيق، يشمل عناصر من الحرس المدني الإسباني ونائبًا سياسيًا من مغاربة سبتة، “محمد علي دُواس” وُصف بأنه “محور التنسيق” داخل المدينة. ولم تتوقف الأمور عند حدود سبتة، بل امتدت إلى شبكة موازية في إشبيلية، ما أضفى على الملف طابعًا وطنيًا، وربما عابرًا للحدود.
كشفت الوثائق عن تسريب جداول المناوبة الأمنية، وتوفير مسارات عبور آمنة، بل وتقديم “استشارات أمنية” داخلية لعناصر الشبكة، مقابل مبالغ مالية بلغت في بعض الحالات 120 ألف يورو. ولم يغب عن التحقيق أيضًا وجود محاولات ممنهجة لإتلاف الأدلة وتضليل أجهزة الرقابة، في ما بدا وكأنه “تحالف مصالح” أكثر من مجرد تواطؤ عابر.
وفي خضمّ هذه المعطيات، يبرز سؤال بالغ الحساسية: كيف تمكّنت شبكة إجرامية من بناء “نفق سيادي” تحت مدينة تخضع لإدارة رسمية أوروبية، دون أن تُرصد من كاميرات المراقبة أو آليات التفتيش؟ وإذا كان هذا النفق قد شُقّ فعلًا من المغرب، فهل مرّ من مناطق خاضعة لرقابة السلطات المغربية، أم استُغلّت ثغرات معروفة في نقاط التماس؟
على الجانب الآخر من الحدود، تتحرك الرباط بهدوء دبلوماسي، وسط صمت رسمي لا يخلو من دلالات. إلا أن المعطيات تشير إلى تعبئة ميدانية غير معلنة، تهدف إلى تحديد الامتداد الترابي للنفق، ومعرفة مدى تورّط أي جهات محلية – إن وُجدت – في تسهيل هذا المشروع غير القانوني.
فبالنسبة للمغرب، القضية لا تتعلق فقط بكميات مُهرّبة من الحشيش، بل بمحاولة خلق واقع أمني موازٍ، يُهدد التعاون الحدودي، ويطرح تساؤلات حول مصداقية بعض شركاء الأمس في محاربة الجريمة المنظمة.
ورغم أن مدريد تسارع اليوم إلى محاكمة المتورّطين تحت أضواء الإعلام، لا تُخفي الرباط قلقها من اتساع شبكة الاختراقات التي قد تتجاوز سبتة، لتشمل بُنى أمنية مؤسساتية يُفترض فيها الحصانة والثقة. وهنا، يطفو التناقض بين الخطاب السياسي الإسباني، الذي يتحدث عن “أمن شامل” في الثغرين، وبين واقع نفق يمرّ تحت أقدام الدولة.
فهل تكون “عملية هاديس” نهاية مرحلة وبداية أخرى من المكاشفة؟ أم أنها مجرد جولة في صراع صامت بين الجغرافيا والجيوبوليتيك، حيث تُبنى الأنفاق في الظل، وتُشيّد التصريحات على الورق؟
الأكيد أن النفق، وإن وُصف بأنه وسيلة لتهريب المخدرات، فقد كان قبل كل شيء ممرًا لصفقات مظلمة، وهروبًا جماعيًا من المساءلة… إلى أعماق الأرض.
06/08/2025