في بلد تُجسّد فيه التعليمات الملكية أسمى مظاهر الرعاية المؤسساتية، وتُقدَّم كآلية للإنصاف وتصحيح المظالم، تتكرّر بين الحين والآخر ممارسات ميدانية تُفرغ هذه التوجيهات من مضمونها، وتُقوّض ثقة المواطنين في جدية الدولة الاجتماعية التي بشّر بها الخطاب الرسمي.
من قلب ميناء الحسيمة، انفجرت قضية أخلاقية وإدارية مُقلقة، بطلها مواطن يُدعى موسى – المعروف محليًا بلقب “الحيوان” – استفاد من هبة ملكية وُصفت آنذاك بأنها ردّ اعتبار مستحق، لكنها تحوّلت لاحقًا إلى مأساة تختزل خللًا بنيويًا في تدبير قرارات سامية صادرة عن أعلى هرم الدولة.
فصول هذه الفضيحة تكشف حجم الانحدار الإداري والانفصال عن واقع المواطنين. البداية كانت حين مُنح موسى، وهو شخصية معروفة في المدينة، منح محلًا تجاريًا استراتيجيًا داخل الميناء، في خطوة فُهمت على أنها التفاتة إنصاف واعتراف رمزي من الدولة بمعاناة إنسان طحنه التهميش. غير أن الحلم لم يكتمل: المنحة سرعان ما فُرّغت من محتواها، وتحولت إلى غنيمة تُتقاسم خلف الستار.
في خرق سافر للقانون، وتحدٍّ لهيبة التعليمات الملكية، أقدم عامل الإقليم السابق، فريد شوراق – الذي أُعفي لاحقًا من مهامه بولاية مراكش في ظروف مثيرة للجدل – على انتزاع المحل ومنحه لجهة أخرى، قبل أن يُحوَّل إلى سلعة ضمن سوق المحاباة والامتيازات، حيث تُسقط السلطة العدالة، وتُرفع أسماء بعينها.
وبعدما سُدّت في وجه موسى كل الأبواب، وتكسّرت كرامته على عتبات الإدارات، لم يجد أمامه سوى خيار الموت. صعد إلى منصة القفز في المسبح البلدي، مهددًا بالانتحار، صارخًا في وجه وطن لا يسمع إلا صدى المرفّهين. لحظات مشحونة بالذهول والغضب، قبل أن تتدخل الوقاية المدنية والسلطات لإقناعه بالنزول، لتُنقله لاحقًا إلى المستشفى… لا باعتباره ضحية ظلم، بل كمشتبه فيه وجب التحقيق معه!
نعم، خضع موسى للتحقيق، لا لأنه سُلب حقه، بل لأنه تجرّأ على التشويش على “السكينة العامة”! وكأن الدولة تقول له: “اغتُصبت حقوقك؟ لا بأس. فقط لا تفضحنا علنًا”.
أما فريد شوراق، صاحب السجل الإداري المُحمّل بالتجاوزات – من مخالفة تعليمات ملكية صريحة، إلى تدبير مشبوه للملفات – فقد غادر الإقليم بلا مساءلة، كما يغادر الجاني مسرح الجريمة، تاركًا خلفه رمادًا يغلي، وملفات ملغومة، ومواطنين فقدوا آخر بصيص أمل في الإنصاف.
فأي رمزية تبقى للدولة حين تُمنح الإكراميات من فوق، وتُنهب في الأسفل؟ ما جدوى التعليمات الملكية إن كانت تُخرق في وضح النهار؟ من يُحاسب من، حين تُكافأ يد الفساد، ويُعاقب صوت الغضب؟ وأي حكامة هذه التي تصمت عن الجريمة وتُحاكم الانهيار النفسي لمن سُحق؟
06/08/2025