في الوقت الذي راهنت فيه حكومة مدريد على موسم “مرحبا 2025” لإنعاش اقتصاد الثغرين المحتلين سبتة ومليلية، جاء الواقع كصفعة قاسية قلبت التوقعات رأساً على عقب. فقد اختار عشرات الآلاف من مغاربة العالم هذا العام تفادي المرور عبر المدينتين المحتلتين، مفضلين الموانئ الأندلسية الكبرى مثل الجزيرة الخضراء، طريفة، ألميريا، مالقة، وموتريل، ومنها مباشرة إلى الموانئ المغربية التي أثبتت جاهزيتها من حيث التنظيم والسرعة والأمان. قرار لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة تراكم طويل من الخيبات التي عاشها المهاجر المغربي في تلك المعابر، حيث الفوضى والإهمال وسوء المعاملة.
الأرقام جاءت فاضحة، إذ سجّلت مليلية تراجعاً بنسبة 20% مقارنة بالسنة الماضية، سواء من حيث عدد السيارات أو المسافرين. تراجع تصفه التقارير الإسبانية بـ“الانتكاسة التاريخية” لمدينة تعيش على الهامش، يقوم اقتصادها أساساً على موسم قصير يضخ بعض الحياة في شوارعها ومتاجرها. أما سبتة، التي لطالما اعتبرت نفسها المنفذ الرئيسي للجالية المغربية، فقد تلقت الضربة ذاتها، مع مؤشرات تؤكد فقدانها تدريجياً لدورها الاستراتيجي في هذه العملية التي تهم ملايين المغاربة المقيمين بالخارج.
أسباب الانهيار لم تكن خافية: سرعة الإجراءات في الموانئ الأندلسية، التنظيم المحكم، البنية التحتية المتطورة، ثم القرب الجغرافي للموانئ المغربية من وجهات المهاجرين النهائية، كلها عوامل رجّحت الكفة لصالح البديل. لكن ما زاد الطين بلة هو غياب الثقة في تدبير إداري مترهل داخل سبتة ومليلية، حيث يجد المهاجر نفسه بين طوابير طويلة، وفوضى تنظيمية، ورسوم غير مبررة، في وقت لا يطمح فيه سوى لمعانقة أهله بعد عام من الغربة.
الصدمة تجاوزت الأرقام لتضرب شرايين الاقتصاد المحلي: فنادق شبه فارغة، متاجر على وشك الإفلاس، ومرافق سياحية لم تفلح في جذب زوار رغم حرارة الصيف. مشهد أقرب إلى مدن منكوبة اقتصادياً، وسط قلق اجتماعي متزايد لسكان فقدوا مورد رزقهم الأساسي. وعلى المستوى السياسي، تجد حكومة مدريد نفسها أمام سؤال ملح: كيف يمكنها تبرير استمرار “السيادة الموهومة” على سبتة ومليلية إذا كانت حتى أوراقها الاقتصادية تتساقط تباعاً؟
في المقابل، يبرز المغرب كقصة نجاح متصاعدة، بفضل استثمارات ضخمة في موانئه، توسعات لوجستية، وتحسينات متواصلة في البنية التحتية جعلت موانئه أكثر جاذبية وثقة. والمفارقة المؤلمة أن مغاربة العالم يدخلون بلدهم عبر موانئ نظيفة، منظمة وحديثة، بينما يترك الثغران المحتلان غارقين في خيم مهترئة ومرافق متداعية لا تليق حتى بقرية صغيرة.
التحقيقات الصحفية الإسبانية بدأت تدق ناقوس الخطر، فيما يعترف مسؤولون محليون – وعلى رأسهم رئيس حكومة سبتة، إدواردو دي كاسترو – بأن المدينة لم تعد قادرة على استعادة مكانتها السابقة. مشهد يلخصه واقع صارخ: المغرب يتقدم بخطوات واثقة نحو المستقبل، فيما تتحول سبتة ومليلية إلى أطلال بلا بريق ولا جدوى، عالقتين بين وهم السيادة الإسبانية وحقيقة التهميش التاريخي.
إذا كانت حكومة مدريد عاجزة عن توفير مقعد نظيف أو مرحاض صالح في مليلية وسبتة، فكيف توهم العالم بقدرتها على إدارة مدينتين يعيشان على سراب السيادة؟ ربما كان الأجدر بها توزيع تذاكر مجانية لزوار “مدينة الملاهي – فيريا” لتسكير الخيبة بكؤوس نبيذ رديء… بدل الاستمرار في تسجيل الأهداف في مرماها الفارغ.
18/08/2025