اعتبر إدريس الناجح، الخبير الأكاديمي في السلامة الطرقية، أن قرار رئيس الحكومة بتوقيف الحملة ضد الدراجات النارية كان صائبًا، وإن جاء متأخرًا بعض الشيء، مؤكدًا أن معالجة هذه الظاهرة لا يمكن أن تتم من خلال حملات معزولة، بل تتطلب سياسة عمومية متكاملة تراعي الجوانب التقنية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية على حد سواء. وأوضح الناجح أن القيمة الحقيقية للقرار تكمن في استغلاله لإعادة تقييم الوضع ودراسة الملف بكل أبعاده بعيدًا عن الهواجس الانتخابية، خاصة في ظل وجود آلاف الدراجات المخالفة للمعايير التقنية، والتي تشكل خطرًا حقيقيًا على السلامة الطرقية.
وأشار الخبير إلى أن حوادث الدراجات النارية تمثل حوالي 30% من إجمالي الحوادث المسجلة، مما يستدعي تدخلًا حازمًا ومدروسًا، موضحًا أن المعيار التقني المعتمد لتحديد تعديل الدراجة من فئة 49cc (57 كلم/ساعة) يوفر هامشًا كافيًا لمراعاة العوامل المؤثرة على السرعة مثل وزن السائق وحالة المحرك، بما يتماشى مع المعايير الدولية. وأكد أن أجهزة القياس المستخدمة مثل “السبيدوميتر” فعالة لمقارنة أداء المحرك والتعديلات، لكنها لا تعطي السرعة الفعلية بدقة مطلقة، حيث يمكن أن تتأثر بعوامل خارجية، فيما توفر بدائل مثل GPS أو الرادار دقة أعلى.
ورفض الناجح فرضية “السلامة المعاكسة” التي تزعم أن تقييد السرعة قد يعيق التسارع لتفادي المخاطر، موضحًا أن التقييد الفني يقلل من سعة المحرك ولا يؤثر على التحكم بالدراجة، بينما يشكل الخطر الحقيقي تعديل الدراجات بشكل عشوائي لتجاوز سرعتها القانونية دون خبرة كافية للسائق. وشدد على أن المسؤولية الأساسية تقع على الدولة التي تسمح باستيراد وبيع دراجات تتجاوز السرعة القانونية، وليس على المواطن وحده، داعيًا إلى تمكين الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية بالإمكانات الكاملة لإجراء عمليات تصديق دقيقة.
وبخصوص العقوبات، لفت الناجح إلى أن التجارب الدولية، مثل ألمانيا، تعتمد الاحتفاظ بلوحة الترقيم بدل حجز الدراجة، ما يمنع استخدامها حتى تصحيح الوضعية ودفع الغرامة، مشيرًا إلى أن التركيز يجب ألا يقتصر على سرعة الدراجة فقط، بل يشمل سلوكيات السائقين المتهورة وغياب التكوين، مؤكدًا أن رخصة السياقة هي أساس التربية على السلامة الطرقية ورفع الوعي بأهمية القيادة الآمنة.
كما أوضح الخبير أن فئة الدراجات الصغيرة في ألمانيا تخضع لرخص متفاوتة بحسب السرعة، مع ضرورة التكوين النظري والعملي والإسعافات الأولية، وهو نموذج يمكن الاستفادة منه في المغرب، مؤكدًا أن المهلة الانتقالية الممنوحة لمدة سنة يجب أن تُستغل لوضع استراتيجية شاملة تشمل تسوية وضعية المركبات، مساءلة المستوردين، وتحسيس السائقين، مع توفير تكوين مكثف وإلزامي لهم بدعم حكومي وبكلفة ميسرة، بالتوازي مع تشديد الرقابة على استيراد الدراجات.
واختتم الناجح حديثه بالتأكيد على أن معالجة هذه الظاهرة تتطلب دمج الجوانب القانونية، التقنية، التربوية والتحسيسية في سياسة عمومية متكاملة، مشددًا على ضرورة البدء بحملة تحسيسية واسعة تشمل المدارس الإعدادية والثانوية والجامعية، وتشارك فيها مؤسسات الدولة والخبراء، لضمان رفع مستوى الوعي، وضمان التزام المواطنين بالقانون، ومنع أي تجاوزات مستقبلية تهدد السلامة على الطرقات.
26/08/2025