في حادثة تحمل كل ملامح المأساة والفضيحة معًا، أقدمت الشابة خديجة، عميدة فريق أقل من 18 سنة وهدافة فريق تامودا باي للكرة النسوية بالفنيدق، على مغامرة محفوفة بالموت بعدما اختارت عبور مياه المتوسط سباحةً نحو سبتة المحتلة رفقة صديقتها. خطوة يائسة لم تكن لتحدث لولا أن الأبواب أوصدت في وجهها داخل وطنها، فوجدت نفسها مضطرة إلى تحويل البحر إلى آخر ملعب لأحلامها المكسورة.
القضية التي تناقلتها وسائل إعلام إسبانية قبل أن تهز الرأي العام المغربي، لم تأت معزولة، بل سبقتها قصة لاعبين من المغرب أتلتيكو تطوان، عيسى عاشور ومحمد زيتوني، اللذين عبرا بدورهما سباحة ليستقر بهما المصير في مركز الإيواء المؤقت للمهاجرين. في كل هذه القصص خيط مشترك واحد: شباب موهوب، محاصر بالفقر والتهميش، يهرب من وطنٍ لم يمنحه سوى الوعود الكاذبة.
خديجة ليست مجرد لاعبة، بل رمز لجيل بأكمله. جيل يرى في المستطيل الأخضر فرصة للحياة، ثم يصطدم بواقع رياضي هش، إدارات عاجزة، ووزارات تتقن فقط رفع الشعارات. جيل يضطر إلى المقامرة بحياته في عرض البحر لأن أرضه خانته، ولأن الملاعب التي كان يفترض أن تصنع الأبطال تحولت إلى مقابر للأحلام.
إنها ليست هجرة فقط، بل جريمة في حق المواهب المغربية، جريمة تشترك فيها السياسات العرجاء، والوعود الرسمية التي لم تتجاوز يوما حدود الورق، واتحادات رياضية تحترف العبث بمستقبل الشباب. حين تُدفع خديجة إلى البحر بدل أن تُدفع إلى منصة التتويج، فإن الخلل لم يعد مجرد تقصير، بل فضيحة وطنية.
فإلى متى سيظل البحر يستقبل أبناءنا بدل أن تستقبلهم أكاديميات الاحتراف؟ وإلى متى ستبقى الرياضة المغربية رهينة التهميش والفساد، بينما تُهدر مواهبها في أمواج اليأس؟ إن قصة خديجة ليست مجرد حادث عرضي، بل إدانة صريحة لسياسات جعلت من الهجرة قدرًا ومن البحر مقبرةً لآمال الشباب .