kawalisrif@hotmail.com

ميناء بني أنصار يغرق في الفساد والصيد الجائر … أسماك الميرو و”الشانغيتي” يُباعان بلا رادع وسط صمت المسؤولين

ميناء بني أنصار يغرق في الفساد والصيد الجائر … أسماك الميرو و”الشانغيتي” يُباعان بلا رادع وسط صمت المسؤولين

ميناء بني أنصار لم يعد ذاك المتنفس البحري الذي اعتاد أن يعكس وفرة الصيد وتنوعه، بل صار مرآة لتراجع مقلق يختزن في طياته أكثر من دلالة. فالأرقام التي كشف عنها المكتب الوطني للصيد إلى غاية غشت 2025، تؤكد أن الكميات المفرغة من منتجات الصيد الساحلي والتقليدي لم تتجاوز 2400 طن، بانخفاض بلغ 10 في المائة مقارنة مع السنة الماضية التي سجلت 2678 طنًا. أما القيمة المالية لهذه المفرغات فقد تراجعت بدورها بنسبة 2 في المائة، لتستقر عند حدود 108,87 مليون درهم، مقابل 111,48 مليون درهم في الفترة ذاتها من 2024.

هذه الأرقام، التي تبدو في ظاهرها مجرد بيانات إحصائية، تخفي واقعًا اجتماعيًا واقتصاديًا أشد تعقيدًا. فالانخفاض مسّ مختلف الأصناف البحرية تقريبًا، حيث تراجعت الأسماك السطحية بنسبة 9 في المائة لتستقر عند 403 أطنان بقيمة 3,29 مليون درهم، مقابل 5,21 مليون درهم و444 طنا في العام الماضي. أما السمك الأبيض فسجّل بدوره تراجعًا بـ 5 في المائة في الوزن و8 في المائة في القيمة، ليستقر عند 631 طنًا و17,88 مليون درهم، بعدما بلغ في 2024 ما مجموعه 666 طنًا بقيمة 19,36 مليون درهم.

ولم يسلم قطاع رأسيات الأرجل من التراجع، حيث انخفضت الكميات المفرغة بنسبة 4 في المائة لتبلغ 951 طنًا، غير أن قيمتها المالية عرفت ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 2 في المائة، وهو ما يعكس تضاربًا بين العرض والطلب. أما القشريات، فقد كانت الأكثر تضررًا، إذ سجلت انخفاضًا بلغ 19 في المائة في الكميات المفرغة، و2 في المائة في المداخيل، لتتوقف عند 416 طنًا و27,91 مليون درهم.

لكن خلف هذه المؤشرات الرسمية تكمن أسباب عميقة يتهامس بها البحارة في بوقانا وبني أنصار. هناك ظاهرة “البوليتشي”، أي الشباك الجارفة التي تمسح قاع البحر بلا رحمة وتدمر التنوع البيولوجي في سواحل بوقانا، وهناك ما يسمى بـ”المهندس الحر” الذي يبتكر طرقًا ملتوية عبر الدواب لنقل شباك خطيرة تُنصب أحيانًا أمام مرأى ومسمع القوات المساعدة والدرك البحري، دون أن تُحرك ساكنًا. يضاف إلى ذلك استعمال المتفجرات، وهي جريمة حقيقية في حق البحر، تُحوّل الصيد إلى مجزرة عشوائية تُبيد الأسماك الصغيرة والكبيرة على حد سواء.

الأمر لا يقتصر على الشباك الجارفة أو المتفجرات، فصيد سمك الميرو في فترة المنع والتوالد خلال الصيف صار ممارسة شائعة تُعرض الثروة البحرية لتهديد مباشر، ويباع هذا الصيد في الأسواق “بالعلالي” دون رادع. أما الجريمة الكبرى فهي بيع “الشانغيتي” صغار السمك في الأسواق وسوق الدلالة، وهي ممارسة تتنافى مع كل المواثيق البيئية والأخلاقية، ويستعين بها حتى أفخم المطاعم لتقديم وجبات بأسعار باهظة، في حين يُفرّغ البحر من صغاره ويُهدد استمراريته.

هذا الوضع المحلي ليس معزولًا، إذ على الصعيد الوطني بلغت منتجات الصيد الساحلي والتقليدي المسوقة 682,672 طنًا حتى متم غشت 2025، أي بتراجع بلغت نسبته 11 في المائة مقارنة مع السنة الماضية، فيما انخفضت قيمتها إلى 7,37 مليار درهم أي ناقص 1 في المائة. وهي أرقام تدق ناقوس الخطر حول استدامة الثروات البحرية وقدرة القطاع على الاستمرار في لعب دوره الاقتصادي والاجتماعي.

بعيدًا عن لغة الأرقام، فإن هذه المؤشرات تعكس أزمة صامتة يعيشها البحر وأهله، حيث يخرج البحارة إلى عرض المتوسط ليعود كثير منهم بشباك فارغة أو بمحاصيل بالكاد تغطي تكاليف الرحلة. وهو مشهد تتسع تداعياته لتشمل التجار والوسطاء والأسواق المحلية، في وقت تبقى فيه شعارات التنمية المستدامة رهينة التقارير والخطب الرسمية أكثر من تجسدها على أرض الواقع. فميناء بني أنصار اليوم ليس مجرد نقطة تفريغ للسمك، بل شاهد حي على خلل بنيوي يتجاوز البحر إلى عمق السياسات، حيث تتقاطع المصالح غير المشروعة مع صمت الجهات المسؤولة، ليبقى البحر الخاسر الأكبر، ومعه مستقبل الصيد البحري برمته.

13/09/2025

Related Posts