أكثر من نصف قرن مضى على ميلاد ما يسمى بـ”جبهة البوليساريو”، ومع ذلك، ما تزال عاجزة عن فرض نفسها كفاعل له وزن حقيقي في الساحة الدولية، خاصة في أمريكا اللاتينية. فباستثناء بعض اللقاءات الشكلية أو أنشطة فولكلورية في البرازيل وفنزويلا، يظل حضورها مجرد صدى باهت لدعاية متقادمة، أشبه بظل شاحب لكيان يعيش خارج الزمن.
لقد تأسست هذه الجبهة سنة 1973 برعاية عسكرية ومالية من نظام الكابرانات في الجزائر، الذي حولها إلى ورقة سياسية يلوّح بها كلما ضاقت به الأزمات الداخلية. غير أن رهانه اليوم أصبح أقرب إلى مقامرة خاسرة، بعدما تحوّلت خيام تندوف إلى متحف حيّ للفشل الجماعي، تموله “سوناطراك” بأموال الشعب الجزائري بدل أن تُستثمر في بناء المدارس والمستشفيات.
وإذا كان معمر القذافي قد ضخ يوماً في هذه الجبهة بتروله وأسلحته، وإذا كانت كوبا قد قدّمت لها تكتيكات عسكرية انطفأت كفقاعات المشروبات الغازية، فإن التاريخ لا يرحم: كل تلك التحالفات تبخرت، ولم يبق منها سوى أرشيف أسود يفضح كيف تحولت البوليساريو إلى أداة وظيفية في أيدي أجهزة المخابرات.
الأخطر من ضعفها البنيوي، هو روابطها المشبوهة مع أنظمة مأزومة مثل إيران وفنزويلا، ومع تنظيمات مسلحة، مما يجعلها أقرب إلى شبكة متداخلة من المصالح غير المشروعة لا إلى حركة تحرر مزعومة. إنها نفس المدرسة التي عاشت على تجارة الوهم، وسقطت في فخ العزلة الدولية.
في المقابل، يواصل المغرب، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، كتابة فصل جديد في الدبلوماسية العصرية: دبلوماسية تعتمد على التنمية والواقعية والمصداقية. فمن خلال بناء شراكات اقتصادية استراتيجية، مثل تلك التي جمعت المغرب بالبرازيل بقيمة بلغت 2.7 مليار دولار سنة 2024، ومن خلال كسب أصوات مؤثرة داخل برلمانات أمريكا اللاتينية لصالح مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، استطاعت الرباط أن تذيب جليداً سياسياً أسمك من القطب المتجمد الشمالي، وأرغمت خصومها على الانزلاق في مستنقع الارتباك والعزلة.
وها هي الجزائر، التي غرقت في مستنقع الأزمات الداخلية، تعيش اليوم حالة من “الإسهال السياسي” المزمن، حيث لم تعد حفاضات دعايتها الإعلامية قادرة على احتواء فيضان المصداقية المغربية. بينما المغرب، بثباته ورؤية ملكه الملهمة، وبالتحام شعبه حول قضيته الوطنية، يمضي في مسار صاعد نحو ترسيخ مكانته كقوة إقليمية تحظى بالاحترام والثقة.
إن قضية الصحراء ليست ملفاً دبلوماسياً فحسب، بل ملحمة وطنية تجسد وحدة ملك وشعب، وتكشف صلابة أمة تعرف طريقها جيداً. وكل الأصوات النشاز التي تحاول النفخ في رماد الانفصال ليست سوى صدىً متكسرٍ في وادٍ مهجور.
وإذا كانت الدبلوماسية الرسمية قد نجحت في قلب الموازين على المستوى الدولي، فإن الدبلوماسية البرلمانية بدورها أثبتت نجاعتها كذراع موازٍ ومكمل للرؤية الملكية السديدة. فقد لعب برلمانيون ومستشارون مغاربة وازنون، من ضمنهم الخليفة الأول لمجلس المستشارين “عبد القادر سلامة” ورفاقه، أدواراً حاسمة في نسج تحركات نوعية داخل أمريكا اللاتينية، حيث تمكنوا من تفكيك خطاب الانفصال وتحصين المبادرة المغربية للحكم الذاتي بدعم برلماني واسع ومواقف مؤثرة.
المغرب اليوم يتحرك بدبلوماسية متعددة الأبعاد: ملكية، رسمية، برلمانية وشعبية، كلها تجتمع لتشكل جبهة صلبة لا تُقهر. أما خيام تندوف، فستظل مثل هياكل عظمية في صحراء قاحلة، تذروها رياح النسيان. الصحراء مغربية، وستظل مغربية، حقيقة أبدية أقوى من رصاص الخصوم وأمضى من مؤامراتهم. ومن لم يستوعب ذلك بعد، فلينتظر لحظة الانهيار الأخيرة، حيث يسقط الوهم دفعة واحدة، كبيت عنكبوت أمام إعصار مغربي لا يرحم.
22/09/2025