يعيش المغرب اليوم على إيقاع تحوّل اجتماعي وثقافي عميق، تقوده فئة شابة تنتمي إلى الجيل “زد”، الذي نشأ في عالم رقمي مفتوح يتقن أدوات التواصل ويملك وعياً نقدياً متقدماً. هذا الجيل، الذي يرفع شعار السلمية ويطالب بالعدالة الاجتماعية وتحسين الأوضاع الاقتصادية، يعبر بصدق عن طموحات مشروعة، لكنه يواجه معضلة غياب البرامج العملية القادرة على تحويل الشعارات إلى مشاريع إصلاحية واقعية، مما يجعل حراكه متذبذباً بين الحماس والانتظار.
غير أن التجارب الدولية أظهرت أن الاحتجاج وحده لا يكفي لتحقيق التغيير المنشود. ففي دول مثل بلغاريا ورومانيا ونيبال، خرج الشباب للمطالبة بالعدالة ومحاربة الفساد، فسقطت حكومات دون أن تتحقق الإصلاحات المنتظرة، لأن الحركات الشبابية لم تقدم بدائل واضحة لما بعد الشارع. هذه الدروس تُبرز أن التغيير يحتاج إلى رؤية سياسية واقتصادية ناضجة، تستند إلى مبادئ المشاركة والبراغماتية، وتحوّل الوعي إلى مبادرة بنّاءة تتجاوز الرفض نحو البناء.
وفي المغرب، تقع مسؤولية ترجمة هذا الوعي إلى فعل جماعي على الدولة والمجتمع معاً. فالحكومة مدعوة إلى تقديم عرض سياسي واقتصادي جديد يفتح المجال أمام الشباب ويعيد الثقة في المؤسسات، من خلال سياسات تواصلية واقتصادية تحفز الإبداع وتدعم اقتصاد المعرفة. كما يظل دور الجالية المغربية أساسياً في نقل الخبرات والمساهمة في مشاريع التنمية. ويستمد المغرب تميّزه من عنصر الاستقرار الذي وفّره التلاحم التاريخي بين الملك والشعب، وهو ما مكّنه من تجاوز الأزمات بثقة وحكمة. إن نجاح المرحلة المقبلة رهين بقدرة الجميع على تحويل طاقة الاحتجاج إلى قوة اقتراح، في إطار وطني جامع يرتكز على شعار: الله، الوطن، الملك.
10/10/2025