في خطوة تعكس توازن الدبلوماسية المغربية وذكاءها الاستراتيجي، اختار المغرب أن يقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف خلال جلسة مجلس حقوق الإنسان في جنيف، حيث امتنع إلى جانب دول وازنة مثل البرازيل وجنوب إفريقيا وقطر عن التصويت على مشروع القرار الغربي الرامي إلى تمديد ولاية المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في روسيا.
قرار الرباط لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة قراءة عميقة لتقاطعات السياسة الدولية وتوازنات القوة داخل مجلس الأمن، خصوصاً في ظل رئاسة روسيا الدورية للمجلس وتزامن النقاش حول ملف الصحراء المغربية. فقد فضّل المغرب أن يُوجّه رسالة هادئة ولكن قوية مفادها أن مواقفه لا تُصاغ تحت ضغط أي محور، وأن سيادته الدبلوماسية خطّ أحمر لا يخضع للمزايدات أو الاصطفافات.
هذا الموقف الحيادي المدروس، والذي وصفه مراقبون بأنه “ضربة دبلوماسية ناعمة”، يندرج في إطار سياسة المغرب الثابتة القائمة على تنويع الشراكات الدولية وعدم الارتهان لأي معسكر. فبينما يحافظ المغرب على علاقاته الاستراتيجية مع واشنطن وباريس، فإنه في الوقت ذاته يفتح قنوات تواصل فعّالة مع موسكو وبكين، إدراكاً منه أن قوة القرار المستقلّ هي التي تضمن احترام الدول لموقفه من قضية الصحراء المغربية.
وتشير المعطيات الدبلوماسية إلى أن الرباط تراهن على الحفاظ على مناخ من التفاهم مع موسكو، أملاً في تحييد موقفها داخل مجلس الأمن حين يُطرح مشروع القرار الجديد المتعلق ببعثة “المينورسو” في نهاية الشهر الجاري.
وفي السياق ذاته، عقد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين اجتماعاً بموسكو مع سفير المغرب لدى روسيا لطفي بوشعرة، جرى خلاله التأكيد على متانة العلاقات الثنائية وتطابق الرؤى بشأن عدد من القضايا الإقليمية، من الشرق الأوسط إلى الساحل الإفريقي، مروراً بملف الصحراء المغربية الذي شدد الجانبان على ضرورة التعامل معه بمقاربة واقعية ومتوازنة.
بهذا الموقف المتزن، يُثبت المغرب مجدداً أنه لا يُساق في ركب أحد، وأن سياسته الخارجية تقوم على البصيرة والتوازن والقدرة على المناورة الذكية، بما يخدم أولاً وأخيراً القضية الوطنية الأولى: الصحراء المغربية.
11/10/2025