kawalisrif@hotmail.com

مبادرة مندوب الصحة بالحسيمة :      تحليل نقدي لـ “البسطون” في ظل تجاوزه لإختصاصاته !!

مبادرة مندوب الصحة بالحسيمة : تحليل نقدي لـ “البسطون” في ظل تجاوزه لإختصاصاته !!

تثير المبادرة التي قام بها المندوب الإقليمي لوزارة الصحة بالحسيمة، والتي وضع بموجبها رقمه الشخصي رهن إشارة المواطنين لمعالجة المشاكل الصحية، تساؤلات جوهرية تتجاوز مجرد الإشادة بـ “حس المسؤولية”، لتضعها في ميزان التحليل السياسي والأكاديمي ضمن سياق الحكامة العمومية والمؤسساتية. فإذا كانت الخطوة قد قُوبلت بالترحيب ام لا شعبياً كحل سريع لـ “صبر المواطنين”، فإنها تمثل في جوهرها تدهورًا خطيراً في آليات تدبير الشأن العام ونقداً لاذعاً لمنظومة الصحة.

1 : التراجع عن المؤسساتية وتكريس الفردانية

إنّ إعلان مسؤول إقليمي عن استعداده ليكون هو “البسطون” (أي الحل والملاذ) للمواطنين، هو إقرار صريح بفشل المنظومة الإدارية والمؤسساتية التي يرأسها. فالمفترض في الدولة الحديثة أن تكون الخدمات الصحية مُؤطّرة بسلسلة واضحة من الإجراءات والمسؤوليات (استقبال، توجيه، معالجة شكايات، تخصصات طبية، مواعيد). وعندما يضطر المدير لوضع نفسه كـ “مُخلص فردي”، فذلك يعني:

— تجاوز الهياكل الإدارية: إذ يتم تقويض دور الموظفين، ورؤساء الأقسام، ومديري المراكز الصحية، ولجان الشكايات، مما يُضعف من كفاءة هذه الهياكل ويُلغي الحاجة إليها.

— تكريس الفردانية: تتحول عملية تدبير الأزمة من مسؤولية مؤسسة (وزارة الصحة) إلى مجهود فردي مرهون بشخص المدير وحسن نيته وجهده الخاص، وهو أمر لا يمكن تعميمه أو استدامته.

— خطر التفرقة والتمييز: قد تؤدي هذه الآلية إلى معالجة المشاكل بناءً على “الوصول” إلى رقم المدير أو “المحسوبية”، بدلاً من أولوية الحالة الصحية أو خطورة المشكلة، مما يقوّض مبدأ المساواة أمام الخدمة العمومية.

2 :  معالجة الأعراض على حساب الأسباب

التحليل الأكاديمي لهذه المبادرة يشير إلى أنها رد فعل ظرفي وليس حلاً هيكلياً. إن المشاكل التي يعرفها قطاع الصحة بالإقليم  – الخصاص الحاد في الموارد البشرية، نقص التخصصات، سوء جودة الاستقبال، وتأخر المواعيد – هي أزمات بنيوية تتطلب استراتيجيات شاملة وميزانيات ضخمة وقرارات وزارية مركزية.

إن معالجة شكوى فردية عبر مكالمة هاتفية لن تُنشئ مستشفى جديداً، ولن توفر طبيباً مختصاً في منطقة نائية، ولن تُصلح جهازاً معطلاً. المبادرة، على الرغم من دافعها ”  النبيل ” المفترض، تساهم في تشتيت الجهود عن المطالبة بالإصلاحات الجذرية، وتحول الأنظار مؤقتاً عن الفشل العميق في التخطيط والتدبير المالي والإداري للمنظومة الصحية في الإقليم. هي بمثابة مسكن للألم لا علاج للمرض.

3 :  مخاطر استنزاف المسؤول التنفيذي والإخلال بالمهام

إن المهام الأساسية للمدير الجهوي أو الإقليمي للصحة هي استراتيجية وتنفيذية عليا، تشمل: التخطيط، تخصيص الموارد، مراقبة الجودة، تقييم الأداء، وتنسيق العمل مع مختلف الشركاء الإقليميين والمحليين.

بتحويل نفسه إلى “مكتب شكايات متنقل” يستقبل مكالمات المواطنين على مدار الساعة، يُعرّض المسؤول نفسه للإرهاق، والأهم من ذلك، يُهمل مهامه الإستراتيجية العليا. فالوقت الذي يُقضى في حل مشكلة موعد لمواطن واحد هو وقت مُقتطع من التفكير في خطة لتطوير خدمات عشرات الآلاف من المواطنين، مما يضعف من كفاءة القيادة الإدارية العامة.

فلا يمكن اعتبار مبادرة مندوب الصحة بالحسيمة نموذجاً يُحتذى به في الحكامة العمومية. هي في الواقع شهادة إدانة صارخة للمنظومة الصحية ككل، وتأكيد على أن “إصلاح” القطاع الصحي لن يتم عبر أرقام هواتف شخصية، بل عبر :

1 .  تعزيز المؤسسات: بتفعيل آليات تلقي الشكايات ومعالجتها داخل المراكز الصحية والمستشفيات بشكل فعال.

2 .  المساءلة المُنظمة: بوضع مؤشرات أداء واضحة ومحاسبة الأطر التي تُهمل واجبها الإداري.

3 .  الإصلاح البنيوي: بضخ استثمارات كافية في الموارد البشرية والبنية التحتية، خصوصاً في الأقاليم التي تعاني من الهشاشة الجغرافية والاجتماعية كإقليم الحسيمة.

يجب أن يكون الهدف هو تمكين المواطن من الحصول على الخدمة الجيدة دون الحاجة إلى “بسطون” شخصي، بل بفضل قوة وفعالية القانون والمؤسسة

بقلم : كريم باوسكوز 

 

23/10/2025

Related Posts