في خطوة تثير نقاشاً واسعاً داخل الأوساط الحقوقية والسياسية، أعلنت الحكومة الهولندية عن دراسة مشروع يمنح موظفي الأمن في وسائل النقل العام حق التحقق من هوية طالبي اللجوء، في إطار خطة وُصفت بأنها تهدف إلى الحد من التهرب من دفع تذاكر المواصلات، لكنها في الوقت ذاته تفتح باباً جديداً للجدل حول التمييز والمراقبة المفرطة.
وزير الدولة المنتهية ولايته لشؤون النقل العام، تيري آرتسن، عن حزب الشعب للحرية والديمقراطية (VVD)، أكد في رسالة موجهة إلى البرلمان أن الحكومة تدرس إتاحة جزء من البيانات الخاصة بطالبي اللجوء لموظفي الأمن في شركات النقل العمومي، من أجل تمكينهم من تحديد هوية الأشخاص الذين يرفضون دفع الأجرة أو لا يحملون تذاكر صالحة.
وأوضح الوزير أن شركة النقل الإقليمي «أريفا» (Arriva) تعاني منذ سنوات من صعوبة تحصيل الغرامات، بسبب عجز موظفيها عن التأكد من هوية الركاب المخالفين. وأضاف أن أغلب الغرامات التي صدرت خلال السنة الماضية لم تُحصّل لأن المخالفين ظلوا مجهولي الهوية.
وقال آرتسن بلهجة حازمة: «لا يمكن القبول بأن يتهرب شخص مراراً من الدفع دون أي عواقب».
من جهتها، رحبت شركة السكك الحديدية الهولندية (NS) بالمقترح، معتبرة أنه قد يخفف الضغط عن موظفي الأمن الذين يضطرون أحياناً إلى انتظار الشرطة لأكثر من 40 دقيقة للتحقق من هوية المخالفين عبر النظام المركزي.
وأشار متحدث باسم الشركة إلى أن هذا التأخير “غالباً ما يؤدي إلى توتر الموقف أو اضطرار الموظفين إلى ترك الراكب يرحل دون متابعة”، في ما يشبه عجزاً مؤسسياً أمام مخالفات بسيطة تتحول إلى مشاكل أمنية.
رغم المبررات التقنية والإدارية، فإن الخطوة لم تمر دون موجة انتقادات من جانب منظمات حقوقية ترى في المشروع تهديداً مباشراً لخصوصية طالبي اللجوء وتمييزاً مقنّعاً ضدهم.
ففتح البيانات الشخصية أمام موظفي النقل – غير المؤهلين أمنياً أو قانونياً – قد يشكل سابقة خطيرة في استخدام ملفات الهجرة لأغراض إدارية.
ويرى مراقبون أن مثل هذه الإجراءات تعكس تصاعد النزعة الأمنية في السياسات الهولندية تجاه المهاجرين، تحت غطاء محاربة التهرب أو تحسين الانضباط الاجتماعي.
المشروع الجديد، الذي ينتظر اعتماده منتصف العام المقبل، يأتي في وقت تعرف فيه هولندا نقاشاً محتدماً حول حدود السلطة المدنية والأمنية، خاصة بعد تزايد الانتقادات لأسلوب تعامل الدولة مع اللاجئين في مراكز الإيواء وفي الفضاء العام.
وبينما تبرر الحكومة الإجراء بأنه يهدف إلى الانضباط في المرافق العامة، يرى كثير من الحقوقيين أن التحقق من الهوية يجب أن يبقى من اختصاص الشرطة وحدها، لتفادي الانزلاق نحو ممارسات قد تمس بالثقة في المؤسسات وتخلق تمييزاً غير معلن ضد فئة محددة من المجتمع.
ما بين من يعتبر القرار إجراءً تنظيمياً عادياً ومن يراه بوابة جديدة للمراقبة والتمييز، تبقى هولندا أمام معادلة دقيقة: كيف يمكن تحقيق الأمن والانضباط دون المساس بالحرية والكرامة الإنسانية؟
سؤالٌ يتجاوز النقل العمومي إلى صميم العلاقة بين الدولة ومواطنيها وضيوفها من طالبي اللجوء، في وقت تتزايد فيه الأصوات المطالبة بأن تكون الإنسانية هي الوجه الحقيقي للسياسات الأوروبية، لا مجرد شعار على واجهات المحطات.












