kawalisrif@hotmail.com

السباق الهولندي نحو السلطة.. خمسة أحزاب تتقاسم طموح الزعامة في انتخابات غامضة المآل

السباق الهولندي نحو السلطة.. خمسة أحزاب تتقاسم طموح الزعامة في انتخابات غامضة المآل

بين تصاعد الخطاب اليميني وعودة اليسار بوجه جديد، تعيش هولندا على وقع حملة انتخابية غير مسبوقة، يتنافس فيها خمسة أحزاب كبرى على المركز الأول في سباق يُتوقع أن يحسمه الناخبون في اللحظات الأخيرة. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجراها المعهد الهولندي “Maurice de Hond” إلى احتدام المنافسة بين حزب الحرية (PVV) بزعامة خيرت فيلدرز، وتحالف اليسار الأخضر/حزب العمل (GL/PvdA) بقيادة فرانس تيمرمانس، إلى جانب حزب الديمقراطيين 66 (D66)، وحزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية (VVD)، والحزب المسيحي الديمقراطي (CDA).

في مناظرة تلفزيونية حامية جرت مباشرة بعد نشرة الأخبار، تبادل القادة السياسيون الاتهامات والانتقادات حول قضايا تمس جوهر السياسة الهولندية، مثل الهجرة والضرائب والبيئة. خيرت فيلدرز، زعيم اليمين المتطرف، أعاد نغمة شعاره القديم حين دعا إلى “خفض الهجرة إلى الصفر”، في مواجهة روب يتين من حزب D66، الذي اعتبر أن سياسة الانغلاق “تضر بصورة هولندا كبلد منفتح ومتسامح”. كما دخلت كارولين فان دير بلاس، زعيمة حزب BBB، على خط النقاش لتدافع عن المزارعين في مواجهة مقترحات اليسار التي دعت إلى تقليص الانبعاثات عبر شراء الأراضي الزراعية. “لا يمكن أخذ عمل الناس منهم”، ردت فان دير بلاس بحزم، في إشارة إلى أزمة النيتروجين التي تشغل الرأي العام منذ شهور.

ورغم محاولات اليمين تأكيد حضوره، فإن الأرقام الأخيرة تُظهر تراجعاً طفيفاً لحزب فيلدرز مقابل صعود تدريجي لتحالف اليسار بقيادة تيمرمانس، الذي يسعى إلى استعادة بريق اليسار الأوروبي عبر خطاب اجتماعي معتدل. وفي المقابل، يُظهر حزب D66 مؤشرات نمو لافتة بفضل مواقفه المتوازنة، بينما يعيش الحزب المسيحي الديمقراطي تراجعاً واضحاً في شعبيته، وسط فقدان بوصلة الهوية التي لطالما ميّزت سياساته.

لكن ما يثير الجدل أكثر من الأرقام هو التحول في المفاهيم السياسية نفسها. فهل ما زال التصنيف بين “اليسار” و“اليمين” يعكس فعلاً مواقف الأحزاب في هولندا الحديثة؟ كثير من المحللين، ومنهم الباحث السياسي ويليم بلانكن، يرون أن هذا التقسيم أصبح قاصراً عن تفسير خريطة السياسة الهولندية الحالية. فبينما يظل اليسار تقليدياً مدافعاً عن المساواة الاجتماعية ودور الدولة في الاقتصاد، واليمين مناصراً للحرية الفردية وتقليص الإنفاق العمومي، برزت قضايا جديدة مثل البيئة والهجرة والهوية الثقافية أعادت رسم خطوط الصراع السياسي.

في هذا السياق، لم تعد أدوات التصنيف الكلاسيكية كافية. فموقع “Kieskompas”، الذي يساعد الناخبين على تحديد خياراتهم الانتخابية، أضاف بعداً جديداً يسمى “الخط الثقافي”، يصنّف الأحزاب بناءً على مواقفها من قضايا الهجرة، والحقوق الفردية، والبيئة. وتظهر المؤشرات أن حزب BBB، الذي نشأ دفاعاً عن قضايا الريف، تحرك تدريجياً نحو اليمين، بينما أصبح حزب D66 أكثر تحفظاً في مسألة الهجرة مع احتفاظه بخطه الليبرالي في ملفات أخرى.

وهكذا، تدخل هولندا مرحلة انتخابية تُعيد فيها تعريف السياسة من جديد، لا على أساس الانقسام الأيديولوجي القديم بين اليسار واليمين، بل وفقاً لقيم العصر والمصالح المتغيرة. وفي خضم هذا المشهد المليء بالاحتمالات، يبقى السؤال مطروحاً: هل سيحسم الناخب الهولندي اختياره بناءً على الانتماء الحزبي أم على ما تمليه عليه قناعاته الشخصية في عالم سياسي يتغير كل يوم؟

تُتابع الرباط هذه الانتخابات بعيْنٍ متفحّصة، إذ تُعتبر هولندا من الشركاء الأساسيين للمغرب في أوروبا، سواء في الملفات الاقتصادية أو في قضايا الجالية المغربية المقيمة هناك، التي تمثل عنصراً مؤثراً في التوازنات الاجتماعية والسياسية. لذلك، فإن أي تحول في المشهد الحزبي الهولندي ستكون له انعكاسات مباشرة على العلاقات الثنائية ومستقبل السياسات تجاه المهاجرين المغاربة في البلاد المنخفضة.

29/10/2025

Related Posts