تشهد الأقاليم الجبلية والمناطق الواحية وضعا مقلقا على مستوى القطاع الصحي، نتيجة استمرار نزيف الكفاءات الطبية والشبه الطبية الشابة، حيث تشير المعطيات التي حصلت عليها “كواليس الريف” إلى أن ما بين 30 و45 في المئة من الأطر الجديدة تغادر مقرات عملها بعد عام أو عامين فقط من التعيين، لتتجه في أغلبها نحو المدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط ومراكش. هذا النزوح المهني المتواصل جعل هذه الأقاليم تتحول إلى مجرد خزانات مؤقتة تزود المراكز الحضرية بالموارد البشرية، ما يهدد استمرارية الخدمات الصحية ويعمّق معاناة الساكنة في المناطق النائية.
ويرجع هذا الاستنزاف، بحسب المعطيات نفسها، إلى غياب الحوافز المادية والمعنوية، وضعف البنيات التحتية، وندرة السكن الوظيفي، إضافة إلى سوء توزيع الموارد البشرية على المستوى الوطني. كما يؤكد عدد من المتتبعين أن الجهود الحكومية الحالية، رغم أهميتها في إعادة بناء المؤسسات الصحية، تظل محدودة الأثر في مواجهة حجم الخصاص القائم، مشيرين إلى أن تحقيق العدالة المجالية في قطاع الصحة يقتضي وضع سياسة منصفة تراعي خصوصيات الجبال والواحات، وتوفر للأطر العاملة فيها ظروفا مهنية وإنسانية ملائمة تضمن استقرارها.
من جانبه، نبه عبد اللطيف اهنوش، الكاتب الجهوي للنقابة المستقلة بجهة بني ملال خنيفرة، إلى وجود اختلالات عميقة في تدبير الموارد البشرية، موضحا أن المشكلة ليست في قلة المناصب بقدر ما هي في ضعف الحكامة في توزيعها، حيث تستأثر الجهات المركزية بالحصة الأكبر على حساب مناطق تعاني خصاصا حادا في الأطر والمعدات. وأبرز أن المعدل الجهوي لا يتجاوز 1.6 إطار صحي لكل ألف مواطن، مقابل 2.6 كمعدل وطني و4.2 كمعدل أدنى توصي به منظمة الصحة العالمية، داعيا إلى اعتماد تحفيزات مالية خاصة بالمناطق النائية، وتوجيه التوظيف نحو الجهات الهشة، وربط المسؤولية بالمحاسبة لإنهاء سياسة اللامساواة التي تُضعف القطاع العمومي وتعمّق هشاشة المنظومة الصحية الوطنية.
29/10/2025











