kawalisrif@hotmail.com

بروكسل تغرق في الفراغ.. أكثر من 500 يوم دون حكومة وديفيد ليستر يرمي المنديل

بروكسل تغرق في الفراغ.. أكثر من 500 يوم دون حكومة وديفيد ليستر يرمي المنديل

تعيش العاصمة البلجيكية بروكسل على وقع أزمة سياسية خانقة، إذ تجاوزت مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة خمسمئة يوم من الجمود دون أي بصيص أمل في التوصل إلى توافق، ما دفع السياسي البارز ديفيد ليستر إلى إعلان استقالته من الحياة السياسية، واصفاً المشهد بـ”الجنون السياسي غير المسبوق”.

ليستر، زعيم حزب الحركة الإصلاحية الليبرالية (MR)، كان المرشح الأوفر حظاً لتولي رئاسة حكومة بروكسل بعد أن تمكن حزبه من انتزاع الصدارة في الانتخابات الأخيرة، منهياً عقدين من هيمنة الاشتراكيين على الحكم في العاصمة البلجيكية. لكنّ مفاوضات ما بعد الانتخابات تحولت إلى مأزق معقّد بسبب تشتت التحالفات داخل برلمان الإقليم والانقسامات بين الأحزاب الناطقة بالفرنسية ونظيرتها الفلمنكية.

ورغم مرور أكثر من عام ونصف على انتخابات يوليو 2024، لم تتمكن القوى السياسية من تشكيل حكومة، في وقت يزداد فيه استياء الشارع البلجيكي من حالة الشلل التي أصابت المؤسسات التنفيذية. مساء الثلاثاء، أعلن ليستر عودته إلى منصبه السابق كرئيس لبلدية Watermaal-Bosvoorde، منتقداً بشدة المناورات الحزبية الضيقة داخل الائتلاف الذي يتكون من ستة أحزاب متنازعة، مشيراً إلى أن “بلجيكا تُدار اليوم من دون رؤية، ومن دون مسؤولية”.

استقالة ليستر ليست سوى أحدث حلقة في سلسلة انسحابات متكررة لسياسيين بلجيكيين ضاقوا ذرعاً بالتعقيدات البنيوية في النظام الفيدرالي، الذي يُعتبر من الأكثر تعقيداً في أوروبا، حيث يتقاطع فيه النفوذ اللغوي والثقافي بين الفلمنك والفرنكوفونيين، ما يجعل تشكيل أي حكومة عملية شاقة تستغرق شهوراً وربما سنوات.

ويأتي هذا التطور وسط دعوات متزايدة داخل الأوساط السياسية البلجيكية إلى تشكيل حكومة انتقالية بخمس سنوات كحل مؤقت لتجاوز الانسداد، في انتظار إصلاحات دستورية قد تُعيد هيكلة النظام السياسي برمّته.

تثير أزمة بروكسل اهتمام المراقبين في الرباط الذين يرون فيها نموذجاً صارخاً لتعقيدات الديمقراطية الأوروبية حين تفقد قدرتها على الحسم. فبينما تنجح بلدان مثل المغرب في ضمان استقرار مؤسساتها رغم تعدد أحزابها، تبدو بروكسل غارقة في حسابات طائفية ولغوية لا تنتهي.

إنّ الفراغ السياسي الذي تشهده بلجيكا اليوم يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل الديمقراطية التوافقية الأوروبية، ويذكّر بأنّ التعدد إذا لم يُؤطّر بحكمة، قد يتحول من مصدر غنى إلى نقمة تُشلّ بها الدولة نفسها.

29/10/2025

Related Posts