في مفارقة مثيرة تجمع بين السياسة الديموغرافية والاقتصاد، أكدت الهيئة المستقلة للمسؤولية المالية الإسبانية (AIReF) أن إسبانيا ستسجل خلال سنة 2025 صافي زيادة سكانية بـ600 ألف مهاجر، أي بارتفاع يصل إلى 50% أكثر من المتوقع في تقديراتها السابقة.
هذه الأرقام التي تعكس حجم التحولات الاجتماعية والاقتصادية داخل الجارة الإيبيرية ، تكشف أن الهجرة أصبحت اليوم أحد أهم محركات النمو في إسبانيا، إلى درجة أن نصف الزيادة في الناتج الداخلي الخام خلال السنوات الأخيرة يُعزى إلى تدفق المهاجرين، وفق ما جاء في التقرير الجديد للهيئة.
كانت التوقعات الأولية تشير إلى مكسب سكاني لا يتجاوز 400 ألف مهاجر خلال 2025، لكن دينامية الاقتصاد الإسباني وسوق العمل الجاذب رفعا هذا الرقم إلى 600 ألف. وتشير الهيئة إلى أن تحسن الأوضاع الاقتصادية دفع بموجات إضافية من المهاجرين إلى الاستقرار في البلاد، ما انعكس بشكل مباشر على الطلب الداخلي والاستهلاك والأسواق المحلية.
وتوضح AIReF أن هذه الطفرة السكانية ساهمت في تعزيز نمو الناتج المحلي بنسبة تقارب 3%، بفضل ارتفاع عدد الأسر الجديدة – حوالي 190 ألف أسرة في عام واحد – وزيادة الإنفاق العائلي، رغم أن الاستهلاك الفردي لا يزال دون مستوياته قبل الجائحة.
بحسب التقرير، أكثر من ثلث النمو الاقتصادي الإسباني في السنوات الأخيرة يُنسب للمهاجرين، سواء من الأجانب أو مزدوجي الجنسية، فيما ساهم العمال الإسبان بنسبة متواضعة لا تتجاوز 0.8 نقطة مئوية من أصل ست نقاط نمو سجلتها البلاد بين 2022 و2024.
لكن لهذا النجاح وجه آخر: فزيادة اليد العاملة المهاجرة سمحت للشركات بالحفاظ على أجور منخفضة دون مواجهة “ضغوط في الأجور”، رغم تراجع البطالة إلى حدود 10.4% فقط. وهو ما يعني أن الهجرة وفرت النمو الاقتصادي لكنها في الوقت نفسه أضعفت فرص تحسين الدخل الفردي.
ورغم توقعات استمرار تدفق المهاجرين، فإن AIReF تتوقع تراجعًا تدريجيًا في الوتيرة، من أكثر من 650 ألفًا سنويًا بين 2022 و2024 إلى نحو 300 ألف كمعدل سنوي خلال الفترة ما بين 2026 و2030.
ويرجع هذا التراجع المحتمل إلى عوامل كأزمة السكن وارتفاع أسعار الإيجار والملكية في المدن الكبرى مثل مدريد وبرشلونة وفالنسيا، وهي المناطق التي تتركز فيها غالبية الجاليات الأجنبية.
بالنسبة للمغرب، الذي يظل من بين أبرز بلدان المصدر للهجرة نحو إسبانيا، تعكس هذه الأرقام حقيقة مزدوجة: فمن جهة، الهجرة المغربية تساهم بشكل فعلي في دوران عجلة الاقتصاد الإسباني، ومن جهة أخرى تكشف هشاشة السياسات الأوروبية التي تعتمد على اليد العاملة القادمة من الجنوب دون ضمان إدماج اجتماعي عادل أو تحسين لظروف العيش.
وفي الوقت الذي تفتخر فيه مدريد بتحقيق نمو “مستدام”، يبقى السؤال مطروحًا حول مدى استدامة هذا النمو إذا ما توقف تدفق المهاجرين أو تصاعدت سياسات الانغلاق التي تلوّح بها بعض التيارات اليمينية في أوروبا.
30/10/2025











