رغم انتهاء الانتخابات البرلمانية الأخيرة في هولندا، فإنّ ضباب السياسة ما زال كثيفًا في سماء لاهاي. فمشاورات تشكيل الحكومة تراوح مكانها، والأفق يبدو مسدودًا في وجه أي تحالف قادر على تأمين أغلبية برلمانية مستقرة، وسط انقسام حزبي عميق واصطفافات أيديولوجية تجعل من مهمة تشكيل الحكومة مغامرة سياسية بكل المقاييس.
من أصل 150 مقعدًا في البرلمان، يتطلّب تشكيل حكومة أغلبية لا تقل عن 75 مقعدًا، غير أنّ الحسابات السياسية لم تُسعف أي طرف في بلوغ هذا الحدّ.
حزب D66 بقيادة روب يتن خرج منتصرًا نسبيًا من الانتخابات، لكنه لا يستطيع بمفرده ضمان الاستقرار السياسي، حتى مع دعم أحزاب الوسط مثل CDA (المسيحي الديمقراطي) وVVD (الليبرالي المحافظ) وJA21 (اليميني المعتدل)، إذ يظل مجموع المقاعد دون العتبة المطلوبة.
ورغم أن حزب PVV بزعامة خيرت فيلدرز حقّق اختراقًا انتخابيًا لافتًا، فإنّ زعيم اليمين المتطرف يواجه عزلة سياسية شبه تامة. الأحزاب الكبرى من اليمين واليسار على حد سواء أكدت رفضها التحالف معه، في ظل خطابه المعادي للمهاجرين والمسلمين، ومواقفه الصدامية التي تهدّد بتوتير النسيج الاجتماعي الهولندي المتعدد الثقافات.
على الجهة المقابلة، يعيش تحالف الخضر والعمل (GL–PvdA) انتكاسة مزدوجة: خسارة عدد من المقاعد واستقالة زعيمه المخضرم فرانس تيمرمانس. هذا الفراغ القيادي أربك صفوف اليسار وأضعف موقعه التفاوضي، في وقت يحتاج فيه المشهد السياسي إلى صوت توافقي قادر على كسر الجمود.
كل المؤشرات تفيد بأنّ مفاوضات التشكيل ستكون طويلة ومليئة بالمفاجآت. فالأحزاب مطالبة بتنازلات مؤلمة وتفاهمات غير مألوفة لتجنّب سيناريو “الشلل السياسي”، الذي قد يجر البلاد إلى إعادة الانتخابات أو حكومة أقلية هشّة.
بالنسبة للمغاربة المقيمين في هولندا، الذين يشكّلون إحدى أبرز الجاليات في البلاد، فإن استمرار الغموض السياسي يثير مخاوف من تصاعد الخطاب الشعبوي واستهداف المهاجرين مجددًا. فكل تأخر في تشكيل حكومة معتدلة ومنفتحة يعني تمديد حالة الترقب داخل الأحياء المغربية في روتردام وأمستردام ولاهاي، حيث الأمل معقود على بروز تحالف عاقل يوازن بين الأمن والهجرة، ويضمن لمغاربة هولندا حقوقهم ومكانتهم كمكوّن أصيل من المجتمع الهولندي.
31/10/2025
