kawalisrif@hotmail.com

هولندا على صفيح ساخن … كولميس يسابق الزمن لإنقاذ مشاورات تشكيل الحكومة وسط انقسام غير مسبوق

هولندا على صفيح ساخن … كولميس يسابق الزمن لإنقاذ مشاورات تشكيل الحكومة وسط انقسام غير مسبوق

تعيش الساحة السياسية الهولندية على صفيح ساخن، بعد أن دخلت مشاورات تشكيل الحكومة مرحلة دقيقة وحاسمة، وسط حالة من الانقسام السياسي غير المسبوق في تاريخ البلاد الحديث. فالمستكشف السياسي ووتر كولميس يجد نفسه اليوم أمام مشهد معقد يشبه رقعة شطرنج مليئة بالتناقضات، في سعي محموم لإنقاذ مفاوضات باتت مهددة بالانهيار قبل أن تبدأ فعلياً.

وفي محاولة لكسر الجمود، عقد كولميس سلسلة من اللقاءات الثنائية التي جمعت ما وصفه بـ”الأضداد السياسية”، في مسعى لتقريب وجهات النظر بين أحزابٍ تختلف في الرؤية والمبادئ أكثر مما تتفق.

فقد جمع اللقاء الأول بين روب بيتن زعيم حزب الديمقراطيين، ويوست إيردمانس زعيم حزب “يا21″، بينما جمع اللقاء الثاني بين ديلان يسيلغوز زعيمة حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية، وجيسي كلوفر زعيم التحالف اليساري “غروين لينكس – بيفي دي آ”.

أكد كولميس بعد يومين من المداولات أن “هناك توافقاً حول بعض القضايا الجوهرية، غير أن الخلافات لا تزال عميقة بشأن تركيبة الائتلاف”، مضيفاً أن “الأحزاب السياسية ما زالت سجينة ظلالها الأيديولوجية القديمة”.

وهو تصريح يعكس بوضوح عمق المأزق الذي تواجهه السياسة الهولندية: بلد منفتح وديمقراطي، لكنه يجد صعوبة متزايدة في بناء توافقات مستقرة.

يتمسك حزب الديمقراطيين، بقيادة روب بيتن، بخيار تشكيل حكومة تضم التحالف اليساري “غروين لينكس – بيفي دي آ”، داعياً إلى تحالف تقدمي من أربع قوى يعيد الثقة والفخر إلى الهولنديين.

أما جيسي كلوفر، زعيم التحالف اليساري، فاختار أن يلتزم الغموض، مكتفياً بالقول إنه “يريد لهولندا أن تتقدم إلى الأمام”، دون أن يحدد ما إذا كان سيساهم في ذلك من داخل الحكومة أم من مقاعد المعارضة.

في المقابل، تصر أحزاب اليمين، وعلى رأسها حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية، والحزب الديمقراطي المسيحي، وحزب “يا21″، على التمسك بخيار يميني وسطي.

وأكدت ديلان يسيلغوز أنها “ستبقى وفية لوعودها الانتخابية”، معلنة رفضها المشاركة في حكومة تضم اليسار، بينما شدد يوست إيردمانس على ضرورة “تشكيل حكومة يمينية مستقرة بالأغلبية”، رغم اعترافه بصعوبة تحقيق ذلك في ظل امتلاك 75 مقعداً فقط.

أما زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي هنري بونتنبال، فقد لمح إلى إمكانية التعاون مع أحزاب اليمين الأخرى، وربما الاستفادة من دعم غير مباشر لحزبي الحركة الزراعية المدنية (بي بي بي) وحزب خمسون زائد، اللذين عبّرا عن حذر واضح في مواقفهما.

وقالت زعيمة حزب الحركة الزراعية المدنية كارولاين فان دير بلاس: “حالياً لا نرى دوراً لحزبنا في الحكومة”، بينما أشار زعيم حزب خمسون زائد يان سترويس إلى أن “التحالف بين اليسار واليمين ما زال قابلاً للنقاش”، مع إبقاء احتمال البقاء في صفوف المعارضة مفتوحاً.

أما الأحزاب الصغيرة، مثل الاتحاد المسيحي، والحزب الاشتراكي، والحزب من أجل الحيوانات، وحزب فولت، فقد أعلنت أنها لا ترى لنفسها دوراً حالياً في المفاوضات، مفضلة الانتظار حتى تتضح ملامح التحالفات الكبرى.
وهو موقف يعكس حذر الأحزاب الصغيرة في ظل مشهد سياسي متقلب يصعب التكهن بمآلاته.

يحاول كولميس، من خلال هذه المشاورات الثنائية، كشف نقاط الالتقاء بين القوى السياسية المتنافرة، قبل أن يقدّم تقريره النهائي إلى البرلمان يوم الثلاثاء المقبل.

غير أن مراقبين في لاهاي يرون أن الأزمة تتجاوز مجرد خلافات حزبية، إذ تعبّر عن أزمة ثقة عميقة بين الطبقة السياسية والمجتمع الهولندي، الذي بات يشعر بالقلق من طول أمد المفاوضات وفقدان البوصلة الوطنية.

تبدو التجربة الهولندية – رغم تعقيدها – مثالاً على حيوية الديمقراطية الأوروبية، التي تتيح الحوار حتى في ذروة الخلاف.

غير أن طول فترة المفاوضات، والتباعد الإيديولوجي بين الأحزاب، يثير تساؤلات حول قدرة الديمقراطيات الغربية على التكيّف مع التحولات الاجتماعية المتسارعة ومع تنامي التيارات الشعبوية.

ففي الوقت الذي تسابق فيه الأحزاب الهولندية الزمن لتشكيل حكومة متوازنة، تظل الأنظار الأوروبية مترقبة، لأن ما يجري في لاهاي لا يهم الهولنديين وحدهم، بل يمثل اختباراً جديداً لقدرة أوروبا على إنتاج استقرار سياسي في زمن الاضطراب.

07/11/2025

Related Posts