في خطوة مفاجئة، أعلنت الحكومة الإسبانية عن افتتاح مركز جديد لاحتجاز الأجانب (CIE) بمدينة الجزيرة الخضراء، ثمانية أشهر بعد الموعد الذي كان مقرراً سابقاً، وبدون أي حفل رسمي أو إعلان مسبق. هذا المركز الجديد يُعتبر الأكبر من نوعه في أوروبا بطاقة استيعابية تصل إلى 507 محتجزين، وبكلفة مالية تجاوزت 25 مليون يورو مموّلة جزئياً من الاعتمادات الأوروبية.
ويقع المركز الجديد في منطقة قريبة من سجن بوتافويغوس، فوق أراضٍ تبرّع بها المجلس البلدي المحلي، ليحلّ محلّ مركز قديم صغير في حيّ “لا بينييرا” الذي كان لا يتّسع لأكثر من 60 شخصاً وغالباً ما كان يعاني من الاكتظاظ وسوء البنية التحتية.
ورغم تزويده بفضاءات مخصصة للنساء والأطفال وخدمات اجتماعية وطبية، فقد أثار الافتتاح انتقادات واسعة من الجمعيات الحقوقية الإسبانية، وعلى رأسها منسقية “لا للمراكز” بجهة قادس، التي أعلنت عن تظاهرة احتجاجية يوم السبت بالجزيرة الخضراء، وأخرى أكبر يوم 22 نونبر الجاري، في إطار “المسيرة الرابعة ضد مراكز احتجاز المهاجرين”.
وأكدت هذه الجمعيات أن “الجزيرة الخضراء أصبحت نقطة سوداء في خريطة انتهاكات حقوق الإنسان، إذ تحوّلت هذه المراكز إلى سجون للمهاجرين الذين لم يرتكبوا جرائم سوى وجودهم في وضع غير نظامي”، معتبرة أن هذه السياسة “تعمّق النظرة الأمنية تجاه ظاهرة الهجرة، وتُكرّس خطاب التجريم بدل الإدماج”.
من جهته، عبّر خوسيه إغناسيو لاندالوثي، عمدة المدينة وعضو مجلس الشيوخ عن حزب الشعب المحافظ، عن استيائه من طريقة تدبير الحكومة للافتتاح، متهماً إياها بـ”انعدام الشفافية وتجاهل المؤسسات المحلية”، مضيفاً: “لم نتلقَّ حتى مكالمة من وزارة الداخلية لإعلامنا بالموعد أو لتنسيق الخدمات الأمنية واللوجستية اللازمة”.
وطالب المسؤول المحلي الحكومة بتخصيص استثمارات إضافية في البنيات التحتية المحيطة بالمركز، خاصة الطرق والمسالك المؤدية إلى المنطقة التي يرتادها الزوار والمتطوعون وعائلات المحتجزين.
ورغم الجدل، تعتبر الحكومة الإسبانية أن هذا المشروع يمثل نقلة نوعية في ظروف الإيواء والإدارة الأمنية، مقارنة بالمراكز القديمة التي كانت محط انتقادات من المنظمات الإنسانية والنقابات الأمنية على حد سواء.
يسلّط افتتاح هذا المركز الضوء على مفارقة السياسة الأوروبية في التعامل مع الهجرة: ففي الوقت الذي ترفع فيه مدريد وبروكسيل شعار “التعاون مع بلدان الجنوب” و”المقاربة الإنسانية”، تختار في الواقع تعزيز البنية الأمنية والاحتجازية على أبواب البحر الأبيض المتوسط.
كما يُعيد هذا الملف إلى الواجهة الدور المحوري للمغرب كشريك أساسي في إدارة تدفقات الهجرة غير النظامية، حيث تتحمّل المملكة عبئاً متزايداً في مراقبة حدودها الجنوبية والبحرية، في حين تستمر أوروبا في نقل أزمتها الداخلية إلى الضفة الجنوبية.
وتطرح هذه الخطوة تساؤلات حول مستقبل التعاون المغربي–الإسباني في مجال الهجرة: هل سيبقى قائماً على منطق “المنع والمراقبة”، أم أنه سيتطور نحو رؤية تشاركية أكثر عدلاً وإنسانية، تراعي الكرامة الإنسانية للمهاجرين وحقوقهم الأساسية؟
08/11/2025











