على مدى نصف قرن، عاشت الملكة السابقة صوفيا حياةً صعبة ملؤها الإهانات والمعاملة القاسية، وهو تاريخ حاول الملك الإسباني السابق خوان كارلوس تهميشه أو تلطيفه في مذكراته الأخيرة تحت عناوين “أخطاء” و”تجاوزات شخصية”. فبينما يحرص خوان كارلوس على إظهار نفسه كزوج محب، تكشف الروايات المقابلة مشاهد من الإذلال النفسي والتسلط العاطفي، ملامح تُفضح الصورة الرسمية للملكية الإسبانية.
لقد كان خوان كارلوس يكرر لزوجته: “أنتِ تعلمين أنني لم أعد أحبك منذ زمن طويل… اذهبي إلى لندن عند شقيقك، فلا شيء يربطني بك.”
عبارات تنم عن قسوة نفسية واضحة، تتناقض بشكل صارخ مع الرواية المزيفة للمصالحة التي يروج لها اليوم. هذه التصرفات، وفق القانون الإسباني، تندرج تحت العنف النفسي المجرَّم بموجب قانون مناهضة العنف ضد المرأة، وهو القانون ذاته الذي وقّعه هو أثناء فترة حكمه، مما يجعل الأمر مثيراً للسخرية والفجور الأخلاقي في آن واحد.
توضح المذكرات أيضاً أن الملك السابق سعى للانفصال والزواج من جديد، وأن علاقته مع الملكة صوفيا كانت مليئة بالتوتر والانحدارات العاطفية التي تعكس صورة رجل يضع مصالحه ورغباته فوق كرامة زوجته وحقوقها.
في مذكراته الجديدة “المصالحة” (Reconciliación)، التي صدرت يوم الأربعاء 5 نونبر في فرنسا بقلم لورانس دبيراي، يقدّم خوان كارلوس (87 سنة) نسخته الذاتية من التاريخ. ومن منفاه في أبوظبي، يذكّر بأن المؤسسة الملكية الإسبانية “تستند بالكامل” إلى شخصه، حسب الدستور، ويؤكد ما يسميه إرثه الديمقراطي لإسبانيا، الدولة التي يزعم أنه يحن إليها ويرغب في العودة إليها بعد نصف قرن من النظام الملكي البرلماني.
ويُخصص جزءاً واسعاً من المذكرات للحديث عن زوجته الملكة صوفيا (86 سنة)، قائلاً:
“لن يمحو شيء أبداً مشاعري العميقة تجاه زوجتي صوفيا، ملكتي”، رغم اعترافه بـ”تجاوزات” وعلاقته المنفصلة منذ انتقاله إلى أبوظبي، في محاولة واضحة لتقديم نفسه كـ”الضحية” وليس كطرف مسؤول عن سنوات من الإهانة والمعاناة.
استقبل الإعلام الدولي المذكرات بحذر شديد، معتبرين أن الملك السابق انتقل من لقب “ملك ملوث بالفضائح” إلى رجل يحاول تبييض تاريخه”. لكن المراقبين يؤكدون أن محاولاته لإعادة كتابة التاريخ لن تمحو عشرات السنين من الجدل والتوتر حول حياته الشخصية ولن تعيد الثقة المفقودة في المؤسسة الملكية الإسبانية.
هذا الكتاب يسلط الضوء على ازدواجية النظام الملكي الإسباني: من جهة يروج للسمو الأخلاقي والديمقراطية، ومن جهة أخرى يختبئ خلف الستار لتبرير سلوكيات شخصية وسلطوية أضرت بالأسرة الملكية نفسها وبصورة الدولة دولياً. إنها صورة تنذر بأن الخطاب الملكي قد يصبح أداة لتلميع السمعة على حساب الحقيقة والعدالة الإنسانية.
15/11/2025











