في مشهد يعكس عمق التحولات الاستراتيجية في غرب المتوسط، نفّذت البحرية الملكية المغربية ونظيرتها الإسبانية خلال الأيام الماضية سلسلة من المناورات البحرية المشتركة في مياه مضيق جبل طارق، وذلك في إطار عملية Sea Guardian التي يقودها الحلف الأطلسي بهدف مراقبة الأنشطة البحرية، والتصدي للتهديدات الإرهابية، وحماية البنيات الحيوية وخطوط الملاحة الدولية.
وبحسب بلاغ لهيئة أركان الدفاع الإسبانية، فقد شاركت في هذه التدريبات كل من الفرقاطة الإسبانية «ريّنا صوفيا» والفرقاطة المغربية «طارق بن زياد»، حيث أجرتا تمارين تكتيكية معقدة شملت عمليات تعقّب ورصد سفن مشبوهة، وتدريبات محاكاة لعمليات التفتيش والإنزال المتزامن. وتهدف هذه الأنشطة – وفق الجانب الإسباني – إلى تعزيز التنسيق العملياتي ورفع مستوى الجاهزية في منطقة تُعد واحدة من أكثر الممرات البحرية حساسية في العالم.
يؤكد التقرير ذاته أن هذه المناورات تجسّد مكانة المغرب كـ«حليف رئيسي من خارج الناتو»، وهي صفة يحافظ عليها منذ سنوات، وتمنحه موقعًا متقدمًا في منظومة الأمن الإقليمي، خصوصًا مع التطورات التي يشهدها غرب المتوسط سواء من ناحية الهجرة أو مرور سفن مرتبطة بالنشاط العسكري الروسي.
وكانت الفرقاطة «ريّنا صوفيا» قد رست مطلع الأسبوع في ميناء طنجة ضمن مهام المراقبة البحرية بالمتوسط، حيث استقبلها رئيس مجلس جهة طنجة ـ تطوان ـ الحسيمة عمر مورو إلى جانب مسؤولين عسكريين ودبلوماسيين مغاربة وإسبان، في لقاء أبرز اهتمام الرباط بمتابعة تطورات الأمن البحري وتكييفه مع المتغيرات الدولية.
وقد جرى خلال اللقاء استعراض القدرات التقنية للفرقاطة الإسبانية، وطرق التعاون الممكنة لتطوير التنسيق بين البلدين، خصوصًا في ظل ارتفاع وتيرة عبور سفن روسية خاضعة للعقوبات الأوروبية، أو ما يسمى بـ«أسطول الظل» الذي يُستخدم في الالتفاف على القيود الدولية ونقل النفط لتمويل مجهودات الحرب في أوكرانيا.
الفرقاطة الإسبانية Reina Sofía (F-84) – المنتمية لفئة «سانتا ماريا» – تُعد أحد أبرز القطع العملياتية في البحرية الإسبانية. وقد شاركت خلال سنة 2025 في عملية «أتالانتا» بالقرن الإفريقي لحماية السفن الإنسانية ومكافحة القرصنة، وأجرت تدريبات مشتركة مع البحرية الهندية، قبل أن تعود للمساهمة في عملية Sea Guardian بالمتوسط.
أما الفرقاطة المغربية «طارق بن زياد»، فتُعد واحدة من أكثر القطع تطورًا في الأسطول المغربي، بوزن 3500 طن وطول 120 مترًا، ومجهزة بأنظمة دفاع جوية وصاروخية ومضادة للغواصات، إضافة إلى منظومة CODAG التي تمكّنها من بلوغ سرعة 27 عقدة.
هذه القدرات تجعل السفينة عنصرًا محوريًا في حماية السواحل المغربية ومراقبة الممر البحري الاستراتيجي للمضيق.
تعكس هذه التدريبات المشتركة تحولًا بنيويًا في بنية الأمن البحري بالمتوسط:
المغرب يرسخ حضوره كقوة استقرار في الضفة الجنوبية، ويثبت أنه فاعل أساسي في تأمين أحد أهم المعابر البحرية على الصعيد الدولي.
التعاون مع إسبانيا داخل مظلة الناتو يمنح الرباط إشرافًا مباشرًا على ما يمر عبر المضيق، خصوصًا في ظل تعاظم التحركات الروسية ومحاولات تهريب السلاح أو النفط.
المناورات تظهر بوضوح أن المغرب ليس فقط شريكًا تقنيًا، بل فاعلًا استراتيجيًا يملك رؤية أمنية شاملة تمتد من الأطلسي إلى غرب المتوسط.
في زمن تتقاطع فيه الجغرافيا مع الصراعات الدولية، يواصل المغرب بناء موقعه كقوة بحرية إقليمية قادرة على إدارة التهديدات وضبط التوازنات في فضاء مضيق جبل طارق.
وإذا كانت بعض الأصوات في الضفة الشمالية تميل أحيانًا لاختزال دور الرباط، فإن الحقائق الميدانية – ومنها هذه التدريبات – تكشف أن الأمن البحري للمتوسط لا يمكن هندسته دون المغرب، ولا يمكن ضمان استقراره دون حضوره.











