تكشف تحليلات حديثة أن موجة “الذكاء الاصطناعي السيادي” التي تتبناها حكومات حول العالم ليست سوى سباق مكلف نحو وهم الاستقلال، إذ تعتمد معظم هذه المشاريع على عتاد وشبكات تمويل أمريكية، ما يجعل السيادة الرقمية سلعة تُشترى بشروط تفرضها واشنطن. في فرنسا وبريطانيا وألمانيا، كما في دول الشرق الأوسط وآسيا، تُضخ مليارات الدولارات في خطط طموحة تهدف إلى كسر الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية، لكنها تنتهي إلى شراء شرائح “نفيديا” وتأجير بنيتها التحتية، ليصبح مفهوم الاستقلال مجرد بطاقة دفع جديدة في النظام المالي العالمي.
تبدو “نفيديا” في قلب هذه الدورة المعقّدة؛ فهي تبيع شرائحها بمليارات الدولارات، وتعيد استثمار جزء ضخم منها في منظومة الشركات التي يُفترض أن خطاب “السيادة” موجَّه ضدها، مثل “أوبن إيه آي”. وبينما تتضخم ديون قطاع الذكاء الاصطناعي إلى مستويات تتجاوز ما سبق أزمة 2008، تتسع الفجوة بين الموارد المتاحة وحجم الاستثمارات المطلوبة لبناء مراكز بيانات عملاقة، ما يدفع الشركات إلى الاعتماد على قروض صناديق مالية كبرى في وول ستريت. وهكذا تصبح “السيادة الرقمية” مرهونة مرتين: للتقنيات الأمريكية، وللمؤسسات المالية التي تمولها.
ويتعمق هذا الارتباط عبر شبكة قوانين وضوابط أمريكية تمتد خارج الحدود، من قيود تصدير الشرائح المتقدمة إلى قواعد تمنح واشنطن حق الوصول إلى البيانات المخزنة في الخارج، إضافة إلى تشريعات توسع الولاية القضائية الأمريكية لتشمل منتجات تحتوي على برمجيات أو معرفة منشأها الولايات المتحدة. وفي مقابل ذلك، تحاول الصين تطوير نموذج مختلف عبر تعزيز صناعتها المحلية وتقليص الاعتماد على العتاد الأمريكي، رغم تعقيدات سلاسل الإنتاج. وفي النهاية، يتساءل التحليل عما إذا كانت الدول المستثمرة فعلًا ترغب في إعادة التفاوض حول موقعها في منظومة الذكاء الاصطناعي، أم أنها تفضّل الاستمرار في تمويل “جمهورية نفيديا” مع الإبقاء على خطاب الاستقلال الرقمي شعارًا أكثر منه واقعًا.
17/11/2025











