kawalisrif@hotmail.com

خوان كارلوس الأول والحسن الثاني … صداقة وُصفت في مدريد بـ”الحميمية”، لكنها في الرباط جزء من سياق تاريخي أوسع

خوان كارلوس الأول والحسن الثاني … صداقة وُصفت في مدريد بـ”الحميمية”، لكنها في الرباط جزء من سياق تاريخي أوسع

في مقال جديد نشرته صحيفة إل إندبنديينتي الإسبانية، تعود مدريد لاستحضار واحدة من أكثر المحطات حساسية في تاريخ العلاقات المغربية–الإسبانية، حين ارتبطت نهاية الاستعمار الإسباني للصحراء المغربية بأدوار متشابكة جمعت الملك الحسن الثاني والملك الإسباني خوان كارلوس الأول، في مرحلة انتقالية كانت فيها إسبانيا تهتز على وقع وفاة فرانكو وبداية عودة الملكية إلى الواجهة السياسية.

وتعرض الصحيفة، من زاوية إسبانية ضيقة، هذه العلاقة باعتبارها “صداقة حميمية” بين الملكين، وتذهب إلى حد الادعاء بأن خوان كارلوس “سلّم” الصحراء للمغرب. غير أنّ الوقائع التاريخية —كما يعرفها المغرب جيدًا— تؤكد أن إنهاء الوجود الاستعماري لم يكن “هبة” من مدريد، بل ثمرة مسار سياسي ودبلوماسي وشعبي واضح، توِّج بالمسيرة الخضراء سنة 1975، التي جعلت بقاء إسبانيا في الإقليم أمرًا مستحيلًا من الناحية الواقعية والسياسية.

تستحضر الصحيفة مشهدًا إنسانيًا حين حضر الملك خوان كارلوس عيد ميلاد الملك الحسن الثاني السبعين في الرباط، أيامًا قليلة قبل وفاته. وتحرص الصحافة الإسبانية على تصوير هذا القرب الإنساني بوصفه “تحالفًا خاصًا”، بينما كان في حقيقته امتدادًا طبيعيًا لعلاقات دولة تربطها بالمغرب مصالح جيوسياسية واستراتيجية متشابكة عبر ضفّتي المتوسط.

يعتمد المقال الإسباني على سردية قديمة تزعم أن إسبانيا “تخلّت” عن الصحراء تحت ضغط الوضع الداخلي بعد وفاة فرانكو. ويورد بعض المؤرخين الإسبان —ضمن سردية إسبانية محضة— أن خوان كارلوس “فضّل” استقرار الجيش الإسباني على مستقبل الإقليم.

لكن هذا الطرح يتجاهل بشكل منهجي ما أكدته الوثائق الدولية، وعلى رأسها رأي محكمة العدل الدولية سنة 1975، بشأن روابط البيعة التاريخية بين القبائل الصحراوية والعرش المغربي. كما يتجاهل الضغط الشعبي والسياسي والدبلوماسي الذي مارسه المغرب وصولًا إلى المسيرة الخضراء التي شارك فيها 350 ألف مغربي، والتي غيّرت موازين القوى على الأرض بشكل حاسم.

وتورد الصحيفة شهادات تتحدث عن توترات بين الملكين في بعض المراحل، خاصة خلال فترات إعادة ترتيب البيت الداخلي المغربي عقب محاولات الانقلاب، لكن ما تُقدّمه الصحافة الإسبانية باعتباره “توترًا” لم يكن سوى نقاش سياسي حول مرحلة حساسة خرج منها المغرب أكثر قوة واستقرارًا، بينما دخلت إسبانيا مرحلة انتقال ديمقراطي مضطرب.

في المحصلة، يكشف تعامل الإعلام الإسباني مع القضايا المرتبطة بالمغرب عن استمرار ذهنية قديمة تحكمها المركزية الأوروبية ونزعة الوصاية السياسية. فبدل السعي إلى مقاربة مهنية تعكس الواقع كما هو، يفضّل قطاع واسع من الإعلام الإسباني إعادة إنتاج سرديات متقادمة تُغذّي التوتر وتُبرّر جزءًا من الإخفاقات الداخلية عبر تصدير الاتهامات نحو الجنوب. وبينما يعيش المغرب دينامية إصلاحية واضحة على الأرض، يستمر هذا الإعلام في تجاهل التحولات العميقة والاكتفاء بصور نمطية تستحضر إرثًا استعماريًا لم تتخلص منه بعض الأقلام بعد.

إن النقد هنا ضرورة مهنية أكثر منه موقفًا سياسيًا، فالإعلام الإسباني مدعو اليوم إلى مراجعة أدواته وتوسيع زاوية نظره، وإدراك أن المغرب لم يعد ذلك الجار الصامت، بل فاعل إقليمي مؤثر يفرض احترامه عبر العمل والمؤسسات. غير أن جزءًا من الصحافة الإسبانية يبدو عاجزًا عن مجاراة هذا التحول، لتظل تغطياته رهينة تهويلات سياسية وخطابات انتقائية، في وقت تتطلب فيه العلاقات الثنائية رؤية عقلانية وشجاعة مهنية.

وبين مغرب يبني مستقبله بواقعية وثبات، وإسبانيا لا تزال بعض أصواتها الإعلامية حبيسة سرديات الأمس، يبقى الرهان اليوم على إعلام مسؤول قادر على تجاوز التوجس والبحث عن الحقيقة، لا عن ضجيج العناوين.

22/11/2025

مقالات خاصة

Related Posts