خرجت مدينة مرسيليا الفرنسية، السبت 22 نونبر، في مسيرة حاشدة شارك فيها أكثر من ستة آلاف شخص، لتوديع مهدي قسّاسي، الشاب ذي الـ20 عاماً الذي قُتل رمياً بالرصاص في جريمة تحمل كل ملامح “التصفية التحذيرية” على يد شبكات الاتجار في المخدرات التي تعصف بالمدينة منذ سنوات.
الضحية هو شقيق الناشط المعروف أمين قسّاسي، أحد أبرز الأصوات التي تقود حملة مجتمعية ضد تمدد شبكات “الناركو” في الأحياء الشعبية لمرسيليا. هذه الجريمة جاءت في سياق تصاعد غير مسبوق للعنف، خلّف منذ بداية العام أكثر من 15 قتيلاً في عمليات مرتبطة بعصابات المخدرات، وفق حصيلة لوكالة الأنباء الفرنسية. “قلبي مكسور… لقد دفنتُ اثنين من أبنائي”
والدة الضحية، وصلّة بنحمدي، ظهرت وسط الحشود بلباس أبيض يرمز للسلم، ووجهها يحمل صدمة أم فقدت أبناءها الواحد تلو الآخر. بصوت متهدّج قالت: “قلبي ممزق… لا يمكن لأي أم أن تتحمل رؤية أبنائها يموتون قبلها”.
ابنها الأكبر، براهيم، اغتيل قبل خمس سنوات وتم العثور على جثته متفحمة داخل سيارة سنة 2020. بعده جاء دور مهدي، الذي قُتل على يد شخصين يستقلّان دراجة نارية في 13 نونبر الجاري.
إلى جانب الأم كان يقف ابنها الآخر أمين، الذي تحوّل خلال السنوات الأخيرة إلى رمز للمعركة المجتمعية ضد عصابات المخدرات، وقال أمام الحشد: “أطالب بالعدل لمهدي، وأطالب بالعدل لبراهيم، وأطالب بالأمن لعائلتي ولجميع الضحايا”.
الصحافة الفرنسية اعتبرت أن اغتيال مهدي ليس مجرد جريمة أخرى في سلسلة “الناركو-جرائم”، بل هو ضربة مباشرة لأسرة باتت تُزعج مافيات المخدرات، حيث صار أمين قسّاسي صوتاً مؤثراً في مرسيليا يضغط على الحكومة ويكشف شبكات الاتجار وفسادها.
الاغتيال بدا وكأنه انتقام ورسالة تخويف للناشط ولمن يساندون حملته المدنية.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا هذا الأسبوع حكومته إلى “تكثيف” الحرب ضد الاتجار في المخدرات، بل ودعا إلى اعتماد مقاربة أكثر صرامة تستلهم آليات مكافحة الإرهاب، وهو ما يكشف حجم التدهور الأمني الذي تعيشه ثاني أكبر مدينة في فرنسا.
تُعيد هذه الحادثة تسليط الضوء على التحول الخطير في المدن الأوروبية الكبرى، حيث أصبحت شبكات المخدرات — خاصة القادمة من مناطق الساحل والبحر المتوسط — تتغلغل في الأحياء الهشة، وتفرض منطقها بالعنف والرصاص. مرسيليا تحديداً، بحكم موقعها البحري واتصالها المباشر بشمال إفريقيا، تحولت إلى بوابة استراتيجية لهذه الشبكات.
وبينما تستمر السلطات الفرنسية في إطلاق الوعود، فإن الشارع الفرنسي يرى أن الدولة تخسر أمام “ناركو-العصابات” التي تتسلل إلى المجتمع كما تتسلل إلى مؤسسات الدولة نفسها.
22/11/2025











