kawalisrif@hotmail.com

عامل إقليم الناظور السابق علوش يفتح أوراق الذاكرة العميقة :     أهل الريف من مؤسسي الدولة العلوية !

عامل إقليم الناظور السابق علوش يفتح أوراق الذاكرة العميقة : أهل الريف من مؤسسي الدولة العلوية !

“الريف في قلب المخزن العلوي:  كتاب الأستاذ علوش الجديد يعيد كتابة تاريخ المغرب من زاوية” الإنصاف”

يكشف الكتاب الجديد، للعامل السابق لإقليم الناظور والأستاذ الباحث محمد المهدي علوش، عن طبقات عميقة من تاريخ المغرب الحديث، مسلطاً الضوء على علاقة الريف بالمخزن بعيداً عن الروايات السطحية التي رسّختها القراءات الكولونيالية أو التأويلات الإيديولوجية المتأخرة.

فالكتاب ليس سرداً للوقائع بقدر ما هو تفكيك هادئ وشجاع لبنية سردية أُريد لها أن تُختزل في ثنائية “الطاعة والتمرد”، بينما تؤكد الوثائق والحقائق أن الريف كان فاعلاً مركزياً في بناء الدولة العلوية لا هامشاً دائماً لها .

ومنذ الصفحات الأولى يتضح أن العمل، كما جاء في مقدمة الكتاب للمفكر الدكتور حسن أوريد، يشكل محاولة جريئة لإعادة ترتيب الذاكرة المغربية وفهم دور أهل الريف في هندسة السلطة، منذ انطلاق حركة المولى الرشيد في القرن السابع عشر وصولاً إلى لحظة الاصطدام بالاستعمار . ويبرز المؤلف، بما يمتلكه من رصانة علمية ومعرفية، أن الريف لم يكن فضاءً معزولاً، بل شريكاً في صناعة الدولة العلوية ودرعاً من دروعها.

تقوم أطروحة الكتاب على فكرة مفصلية: الريف لم يكن هامشاً للدولة العلوية، بل أحد ركائزها الكبرى سياسياً وعسكرياً وإدارياً.

ويستدل المؤلف على ذلك بجملة من الوقائع التاريخية الدقيقة، من بينها أن المولى الرشيد، مؤسس الدولة العلوية، سنة 1664 ميلادية انطلق من الريف بدعم مباشر من أهله، وخاصة من الشيخ عمر بن سليمان الذي استقبل الأمير العلوي بمنطقة كبدانة وزايو، وهو ما يجعل الريف لا شاهداً على ميلاد الدولة العلوية فحسب، بل مساهماً رئيسياً في تأسيسها. كما يبيّن الكتاب كيف اعتمد المولى إسماعيل على مجاهدي الريف في تحرير الثغور، وكيف تم تفويض حكم شمال المغرب لأهل الريف لأزيد من سبعين سنة، وهي حقائق غالباً ما أُهملت في الكتب المدرسية والروايات الشفوية.

ويذهب المؤلف إلى أن إعادة قراءة هذه الأحداث تسمح بتجاوز النظرة الاختزالية التي صاغتها بعض المصادر الأجنبية والتي روّجت لأسطورة “استقلال الريف” أو “انفصاله التاريخي” عن الدولة المركزية. ويبرهن، اعتماداً على وثائق محلية وأجنبية، أن هذه الادعاءات كانت جزءاً من استراتيجية استعمارية هدفت إلى شرخ الكيان المغربي وتفتيت مجاله التاريخي. وبذلك يعيد الأستاذ علوش وضع الريف في مكانه الصحيح باعتباره عنصراً عضوياً من بنية الدولة المغربية وليس استثناءً عنها.

ويتوقف د. حسن أوريد في مقدمته عند أهمية الكتاب في تصحيح صور مشوشة حول الريف، مشيراً إلى ضرورة التمييز بين الريف بما هو مجال جغرافي والريف بما هو كيان ثقافي واجتماعي. فالمقاربة التاريخية السليمة، في نظره، لا يمكن أن تقوم على إسقاطات الحاضر أو على الأحكام الجاهزة، بل على قراءة وقائع الماضي ضمن سياقاتها السياسية والدينية والاجتماعية. ومن هنا تأتي قيمة الكتاب الذي يعود إلى أحداث مفصلية ، مثل معركة إيسلي، وحركة الأمير عبد القادر، وحرب تطوان، وتمرد الريسوني، وحركة بوحمارة ، ليقرأها بمنهج نقدي بعيد عن التوظيف السياسي أو الانحياز الإيديولوجي.

ويولي الكتاب اهتماماً خاصاً بتفسير مفاهيم مثل “المخزن” و”السيبة” التي كثيراً ما استُعملت لتشويه صورة الريف. ويظهر من خلال تحليل المؤلف أن الريف لم يكن أرضاً للفوضى، بل مجالاً له منطقه في تدبير السلطة، يقوم على التفاوض والتوازن والتفاعل المستمر مع المركز، تماماً كباقي مناطق المغرب. وبذلك يفكك الكتاب الثنائية التي استخدمها الاستعمار، ثم تبعتها بعض الخطابات، لتقسيم المغرب إلى “مخزن” و”سيبة”، بينما تكشف الوقائع أن الريف كان جزءاً من النسيج السياسي للمغرب منذ العصور الوسطى.

وفي خلاصة العمل، يقدّم الكتاب شهادة موثوقة: الريف لم ينفصل يوماً عن المغرب، لا سياسياً ولا روحياً ولا اجتماعياً.

بل كان، في أصعب فترات التاريخ، إحدى قلاع الدفاع عن الهوية والسيادة الوطنية ، وفضاءً تتقاطع فيه القوة العسكرية، والحكمة القبلية، والولاء الديني، في خدمة الدولة العلوية ومسارها الطويل.

ويثبت الكتاب أن إعادة الاعتبار لدور الريف ليست مجرد ضرورة معرفية، بل خطوة أساسية لإعادة بناء سردية وطنية منصفة، تضع كل منطقة في موقعها الحقيقي داخل تاريخ المغرب. وهكذا يتجاوز عمل علوش خطاب المبالغة وخطاب التهميش معاً، ليعيد رسم صورة الريف كشريك فاعل في تأسيس الدولة العلوية وصياغة الهوية المغربية.

إنه كتاب يفرض نفسه ضمن الأدبيات الفكرية المغربية المعاصرة، ليس فقط بما يقدمه من وثائق ومعطيات، ولكن بما يتيحه من نقاش فكري رصين حول علاقة المركز بالهوامش، وحول إعادة قراءة تاريخ المغرب من زاوية الإنصاف لا من زاوية الأساطير. وبذلك يضع الكتاب الريف في مكانه الطبيعي: قلب التاريخ المغربي، لا هامشه.

26/11/2025

مقالات خاصة

Related Posts