kawalisrif@hotmail.com

محاكمة “لافارج”.. ملفات ثقيلة تكشف تورطاً استخباراتياً وتمويلاً إرهابياً يهز صورة فرنسا

محاكمة “لافارج”.. ملفات ثقيلة تكشف تورطاً استخباراتياً وتمويلاً إرهابياً يهز صورة فرنسا

تتواصل في باريس أطوار واحدة من أكثر القضايا حساسية في أوروبا، حيث تواجه شركة لافارج الفرنسية للأسمنت اتهامات خطيرة بتمويل جماعات إرهابية خلال نشاطها في سوريا، في وقت تتكشف فيه شهادات تربط الشركة مباشرة بأجهزة الاستخبارات الفرنسية، ما يضع الدولة نفسها في دائرة التساؤلات.

القضية التي وُصفت بـ”الزلزال القضائي” لا تكشف فقط عن شبكة تمويل معقّدة، بل تسلط الضوء على ازدواجية المواقف الفرنسية في التعامل مع ملفات الإرهاب، وتعمّق النقاش الدولي حول مسؤولية الشركات الغربية في مناطق النزاع.

خلال الجلسات الأخيرة، أشار محامو الدفاع إلى أن استمرار وجود لافارج في سوريا لم يكن قراراً اقتصادياً بحتاً، بل خدمة مباشرة للمصالح الاستخباراتية الفرنسية.

فقد أكد المدير التنفيذي السابق في سوريا، فريديريك جوليبواغ، أنه تواصل مباشرة مع عناصر من جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسية DGSE، وأن هذا الجهاز طلب منه توظيف عمال سوريين كمخبرين ميدانيين.

كما قدم الدفاع وثائق تُظهر اجتماعات متكررة بين مدير أمن الشركة ومسؤولين في جهاز الاستخبارات الداخلية DGSI، ما يكشف أن الشركة كانت جزءاً من شبكة تبادل معلومات تتجاوز حدود الدور الصناعي.

منذ 2012، أوصت باريس رعاياها بمغادرة سوريا، لكن إدارة لافارج أصرت على مواصلة تشغيل المصنع مستخدمة عمالاً سوريين فقط بعد مغادرة الفرنسيين.

شهادات العمال التي نقلتها منظمات حقوقية تؤكد أن الحواجز المسلحة تزايدت بشكل مقلق، وأن جماعات مختلفة كانت تفرض “أتاوات” مقابل مرور الشاحنات وضمان أمن العاملين.

الوسيط السوري فراس طلاس، المتهم بدور محوري في تسهيل عمليات الدفع، لم يحضر أي جلسة حتى الآن، في وقت يشير فيه موظفون سابقون إلى أن تغيير أسلوب تحويل الأموال عام 2012 جرى بعلم الإدارة المالية في باريس.

المحاكمة الحالية، الممتدة إلى 19 ديسمبر، ليست سوى جزء من مسار قضائي طويل بدأ عام 2017. ورغم إسقاط تهمة “التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية” عام 2019، إلا أن محكمة النقض أعادت فتحها عام 2021، اعتماداً على وثائق تُثبت –بحسب وكالة الأناضول– وجود تمويل لتنظيم داعش.

وتواصل الجمعيات الحقوقية الضغط من أجل تحميل الشركة مسؤولية المشاركة في الجرائم التي عرفتها المنطقة خلال سنوات النزاع.

تأتي هذه القضية لتؤكد مرة أخرى حجم التناقض في المواقف الغربية، خاصة فرنسا، التي لم تتردد في اتهام دول الجنوب بالتقصير في مكافحة الإرهاب، بينما تكشف المحاكمة اليوم أن شركة فرنسية كبرى كانت على صلة مباشرة بشبكات تمويل جماعات متطرفة.

المغرب، الذي يُعد نموذجاً إقليمياً في محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه، لطالما دعا إلى مقاربة شاملة تقوم على الشفافية والمسؤولية المشتركة، وهو ما يطرح سؤالاً واضحاً:

كيف يمكن لباريس أن تقدّم دروساً في الأخلاق السياسية، بينما تقف إحدى أكبر شركاتها أمام القضاء بتهم تمويل الإرهاب؟

هذه القضية تمثل دعوة جديدة لإعادة تقييم الخطاب الأوروبي، والاعتراف بأن الاستقرار الإقليمي يتطلب شراكات حقيقية مبنية على الثقة، بعيداً عن الازدواجية التي تكشفها فضائح كهذه.

قضية لافارج ليست مجرد محاكمة لشركة، بل اختبار حقيقي لصورة فرنسا ومصداقيتها في ملف حساس مثل مكافحة الإرهاب. ومع توالي الشهادات والوثائق، يتضح أن ما خفي كان أعظم، وأن شبكة التمويل التي تُكشف خيوطها اليوم ستفتح الباب لأسئلة محرجة داخل فرنسا وخارجها.

وبينما تراقب العواصم العالمية مجريات هذا الملف، يبرز المغرب دولةً رائدة بنموذج أمني استباقي وشفاف، يؤكد مرة أخرى أن مكافحة الإرهاب لا تكون بالشعارات، بل بالالتزام والمسؤولية… وهي قيم يبدو أن لافارج، وربما غيرها، قد تناستها في لحظة كان ثمنها دماء السوريين ومستقبل المنطقة.

06/12/2025

مقالات خاصة

Related Posts