تهديدات بالقتل… محاولات تزويج قسري… احتجاز محتمل في فرنسا… وشراء صمت بـ17 ألف يورو. في واحدة من أكثر القضايا إثارة داخل أوساط الجالية المغربية بإسبانيا، تكشف فاطمة –اسم مستعار– عن معاناة يومية يغمرها الخوف والترهيب، بعدما قررت كسر سنوات الصمت وتقديم شكاية ضد خالها تتهمه فيها بالاعتداء الجنسي عليها وهي في الثانية عشرة من عمرها. قرارها هذا قلب حياتها رأساً على عقب وحوّل يومياتها إلى ما تصفه بـ“الجحيم”.
فاطمة، المولودة بإسبانيا والمنحدرة من أسرة مغربية، لم يمضِ وقت طويل على بلوغها سنّ الرشد، لكن منذ فتح المسطرة القضائية أمام قاضي التحقيق رقم 2 بأوريهويلا، تقول إنها أصبحت هدفاً لضغوط عائلية عنيفة تتراوح بين محاولات تزويج قسري، ومساعٍ لإرسالها إلى فرنسا بهدف احتجازها، وتهديدات مبطنة بالقتل عبر وسطاء، إضافة إلى عروض مالية مهمة لإسقاط الدعوى. وتؤكد في روايتها: “خالي هدّدني بالقتل عبر أطراف ثالثة”، فيما يشير محاميها، إيلوي فيرّانديث، إلى أن هذه القضية قد تؤثر على تجديد إقامة المتهم في إسبانيا، ما يفسّر –على الأرجح– جزءاً من شدة الضغوط التي تتعرض لها الشابة.
وفي حديثها لصحيفة إسبانية، الذي أُجري بشروط صارمة تتعلق بالسرية وعدم كشف هويتها أو مكان إقامتها في أليكانتي، كشفت فاطمة أن زوجة خالها عرضت عليها بين 14 و17 ألف يورو مقابل التنازل عن الشكوى. وتقول إنها غادرت منزل والدتها فور بلوغها سنّ الرشد وبعد تقديم الشكاية، رغم أنها بلا عمل، مؤكدة: “كانت أمي تحاول التلاعب بي كل يوم”. وتشير إلى أن العائلة تتحرك في كل الاتجاهات لإغلاق الملف خوفاً من تبعاته القانونية ومن ما يسمونه “الفضيحة”، وهو ما جعلها تعيش في عزلة خانقة وحالة خوف مستمر.
وتوضح فاطمة أن خروجها للإعلام لم يكن خطوة اعتباطية، بل بدافع التأكيد لعائلتها أنها ماضية في المسار القضائي ولن تخضع لأي ضغوط أو إغراءات مالية، وأن ملفها سيستمر أمام القضاء الإسباني مهما كلّف الأمر. كما تطالب، هي ومحاميها، بإجراءات حماية عاجلة تشمل أوامر عدم الاقتراب، ووقف الاتصالات الهاتفية والزيارات التي تصفها بـ“مضايقات ممنهجة”، مؤكدة أنها تتعرض يومياً لضغط نفسي وترهيب فقط من أجل سحب الشكوى.
وتعكس قضية فاطمة صراعاً متكرراً داخل بعض الأسر المغاربية بأوروبا، حيث تتصادم القيم التقليدية التي تدفع إلى التستر وشراء الصمت “حفاظاً على السمعة” مع منظومة قانونية أوروبية صارمة تجرّم الاعتداءات داخل الأسرة وتحمي القاصرات دون مجاملة. وتشير مصادر حقوقية إلى أن عدداً من القاصرات المغربيات يجدن أنفسهن عالقات بين قانون لا يتساهل مع جرائم الاعتداء الجنسي، وضغط عائلي يخشى المتابعات القضائية وتداعياتها على الإقامة والعمل، ما يجعل محاولات “دفن القضايا” ظاهرة لا تزال حاضرة رغم التحولات المجتمعية والقانونية في بلدان الاستقبال.
اليوم، لم تعد قضية فاطمة مجرد شكاية معروضة أمام القضاء الإسباني، بل تحولت إلى صرخة مواجهة ضد الترهيب العائلي وضد ثقافة الصمت التي تحاول خنق أصوات الضحايا داخل أسرهن. وبحسب محاميها، فإن العدالة الإسبانية تتابع المسطرة بشكل مستقل وواضح، مهما كانت الضغوط، مؤكداً أن أولوية المرحلة هي ضمان حماية فاطمة وسلامتها النفسية والجسدية قبل أي شيء آخر.
09/12/2025