عاد اسم المغرب ليُستَخدم مجددًا في السجال السياسي الداخلي بإسبانيا، بعدما أعلن حزب الشعب (PP) عزمه مطالبة قيادة الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني (PSOE) في مدريد بتقديم وثيقة اتفاق حزبي قيل إن سانتوس سيردان، القيادي الاشتراكي السابق، وقّعها مع حزب اشتراكي مغربي سنة 2019.
وجاء هذا التطور عقب مثول سيردان، المتابع قضائيًا في ما يُعرف بـ“قضية كولدو”، أمام لجنة التحقيق في مجلس الشيوخ الإسباني، حيث برّر مشاركته في زيارة رسمية إلى المغرب رفقة وزير النقل آنذاك خوسيه لويس آبالوس، بأنها كانت لأسباب “حزبية بحتة”، تتعلق بـالتفاوض حول اتفاق تعاون مع حزب اشتراكي مغربي.
تصريحات سيردان أثارت استغرابًا داخل القاعة، بل قوبلت بالسخرية من بعض البرلمانيين، خاصة حين أكد أن الاتفاق يحمل توقيعه لكنه لا يتوفر على نسخة منه، مرجحًا أن تكون محفوظة بمقر الحزب الاشتراكي في شارع فيراز بمدريد.
حزب الشعب التقط الخيط سريعًا، وقرر الدفع داخل لجنة التحقيق بطلب رسمي لإلزام قيادة الحزب الاشتراكي بتسليم هذه الوثيقة المزعومة، التي يُقال إنها وُقّعت مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، العضو في الأممية الاشتراكية.
ورغم أن الأمر يتعلق ـ وفق رواية سيردان ـ باتفاق حزبي لا يحمل طابعًا حكوميًا، فإن المعارضة اليمينية تحاول ربط الزيارة بسياق “تضارب المصالح” والاشتباه في استغلال العلاقات الخارجية لأغراض غير معلنة، في محاولة لإضفاء بعد خارجي على قضية ذات طابع قضائي داخلي.
وفي هذا السياق، أعادت بعض المنابر الإسبانية الترويج لفكرة “المسار المغربي” للأموال المفترضة في القضية، دون تقديم معطيات ملموسة، مكتفية بالإشارة إلى تقارير أولية للحرس المدني الإسباني (UCO)، وهو ما يعكس نزعة متكررة لزجّ المغرب في النقاشات السياسية الإسبانية كلما اشتد الاحتقان الداخلي.
الزيارة الرسمية لسنة 2019، التي ضمّت مسؤولين من وزارة النقل الإسبانية، باتت اليوم محور تأويلات متعددة، خاصة بعد تداول صور تجمع سيردان بآبالوس وكولدو غارسيا. وتذهب بعض الروايات الإعلامية إلى الزعم بأن الهدف الحقيقي كان التأثير في صفقات بنية تحتية بالمغرب، وهي ادعاءات لم يصدر بشأنها أي تأكيد رسمي مغربي أو قضائي إسباني نهائي.
خلال جلسة الاستماع، بدا سيردان معزولًا سياسيًا، بعدما تجنّب نواب الحزب الاشتراكي الاحتكاك به، في مشهد يعكس القطيعة الكاملة معه. ورغم ذلك، دافع عن نفسه بنبرة حادة، مؤكدًا أنه لا يحتاج إلى “مرافقة سياسية” لإثبات براءته، ومهاجمًا خصومه داخل القاعة.
من زاوية مغربية، يظهر بوضوح أن اسم المغرب يُستعمل مرة أخرى كورقة ضغط في معركة سياسية إسبانية داخلية، دون سند قانوني واضح أو موقف رسمي من الرباط. وهو سلوك مألوف في جزء من الإعلام الإسباني، خصوصًا عند تقاطع الملفات القضائية مع الحسابات الحزبية الضيقة.
ويبقى الثابت أن العلاقات المغربية-الإسبانية الرسمية مؤطرة بقنوات دبلوماسية ومؤسساتية واضحة، ولا يمكن اختزالها أو التشويش عليها عبر مزاعم حزبية غير موثقة أو تصريحات فردية تخضع للتحقيق القضائي.
18/12/2025