kawalisrif@hotmail.com

إحراق العلم الإسباني في قلب بلباو… حين يُعاد تسويق الفوضى باسم “الاستقلال”

إحراق العلم الإسباني في قلب بلباو… حين يُعاد تسويق الفوضى باسم “الاستقلال”

عادت مدينة بلباو، عاصمة إقليم الباسك، إلى واجهة الجدل السياسي والإعلامي، بعد أن شهدت شوارعها وسط الأسبوع مشاهد صادمة أعادت إلى الأذهان فصولًا لم تُطوَ بعد من خطاب التطرف والانفصال. فقد أقدم شبان محسوبون على التيار الانفصالي الراديكالي على إحراق العلم الإسباني خلال مظاهرة دعت إليها منظمة إيرناي، الذراع الشبابي لحزب سورتو، المعروف بقربه الأيديولوجي من الإرث السياسي لمنظمة إيتا الإرهابية.

المسيرة، التي انطلقت من ساحة مويوّا في اتجاه بوابة ثاموديو، جابت قلب المدينة وسط حضور مكثف لشباب متحمّس لشعارات الانفصال أكثر من احترام رمزية الدولة. وفي ذروة التظاهر، أقدم أربعة شبان ملثمين على إشعال النار في العلم الإسباني وسط تصفيق وهتافات المشاركين، في مشهد اعتبره متابعون استفزازًا مباشرًا لهيبة الدولة الإسبانية ومؤسساتها.

وأمام مقر القيادة البحرية بشارع إيبانييث، صعد المحتجون فوق أكشاك بناء مؤقتة، وواصلوا تدنيس العلم الإسباني في مواجهة مفتوحة مع عناصر شرطة إرتثاينتسا، التي كانت تؤمّن محيط المكان. كما سُجّل انتشار استباقي لوحدات مكافحة الشغب قرب مقر الحزب القومي الباسكي، تحسبًا لأي انزلاق أمني محتمل.

من زاوية قانونية صِرفة، لا يُدرج حرق العلم الإسباني ضمن خانة حرية التعبير، كما تحاول بعض التيارات الانفصالية واليسار المتطرف الترويج لذلك، بل يُصنَّف كـجريمة إهانة رموز الدولة، وفق المادة 543 من القانون الجنائي الإسباني، خاصة عندما يتم الفعل بشكل علني وبنية الإهانة، وهو ما ينطبق على الواقعة بكل تفاصيلها.

وخلال المسيرة، رفع المتظاهرون لافتة كبيرة كُتب عليها باللغة الباسكية: «صُنع بالفعل… نحن الشباب من أجل الاستقلال»،

وهو شعار يعكس محاولة واضحة لتعبئة الأجيال الجديدة على أساس خطاب عاطفي، يتجاوز تعقيدات الواقع السياسي والاقتصادي، ويستدعي رموزًا وشعارات ارتبطت في الذاكرة الإسبانية بسنوات من العنف المسلح.

كما رُفعت مئات الأعلام الخاصة بإقليم الباسك وناڤارا، في إشارة إلى طموح توحيد الجهتين في كيان سياسي جديد، مع تمرير غير بريء لخطاب يضفي نوعًا من الشرعية الرمزية على ماضٍ إرهابي لم تندمل جراحه بعد.

وردّد المشاركون شعارات داعمة للاستقلال، وأخرى مرتبطة بما سُمّي بالنضال النسوي المناهض للفاشية والرأسمالية، في خليط شعاري يعكس ارتباكًا أيديولوجيًا أكثر مما يعكس مشروعًا سياسيًا واضح المعالم. واختُتمت التظاهرة ببيان اعتبر أن الاستقلال “عنصر أساسي لبناء إقليم باسك حر من الاضطهاد”.

وأكد منظمو المسيرة، الموصوفون إعلاميًا بـأشبال أوتيغي، أن “الشباب القومي والاستقلالي مستعد لاتخاذ خطوة إلى الأمام”، في مواجهة ما اعتبروه محاولات ربط بلباو بـ“الهوية الإسبانية”.

وتأتي هذه التطورات في سياق لوحظ فيه، خلال أسبوع الاحتفالات الكبرى الأخير، تصاعد في التعبير عن المشاعر القومية، خاصة من خلال الدعم اللافت لبعض الفعاليات المثيرة للجدل، إلى جانب شعارات جماعية مناهضة لرئيس الحكومة الإسبانية پيدرو سانشيز. كما أن نسبة مهمة من شباب بلباو تتابع دراستها خارج إقليم الباسك، خصوصًا في مدريد، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على التوازنات الاجتماعية والفكرية داخل الحركة الانفصالية نفسها.

في بلباو، يبدو أن بعضهم ما زال يعتقد أن إحراق الأعلام يصنع أوطانًا، وأن النار قادرة على رسم خرائط جديدة. غير أن التجارب، في إسبانيا وخارجها، تُظهر أن الأعلام المحترقة لا تخلّف سوى الرماد، وأن الدول لا تُفكَّك بالشعارات، بل تُبنى — أو تُهدَّد — بعقلانية السياسة، لا بعاطفة الشارع.

20/12/2025

مقالات خاصة

Related Posts