على بُعد أيام من الزيارة التي قام بها عامل إقليم الحسيمة إلى دائرة كتامة، عاشت المنطقة على وقع حركية غير معتادة، حيث سارعت عدد من الجماعات الترابية إلى تزيين الشوارع وتبليط الجدران وإصلاح المصابيح الكهربائية، في مشهد اعتبره مواطنون “رتوشاً تجميلية ظرفية” لا تعكس عمق الاختلالات البنيوية التي تعانيها المنطقة منذ سنوات.
وحسب شهادات متطابقة، فقد انخرطت جماعات دائرة كتامة، خلال الأيام الأخيرة، في حملات مكثفة لإصلاح الإنارة العمومية وطلاء المرافق، في محاولة لتقديم صورة “مُنمّقة” قبيل الزيارة الرسمية، بدل معالجة الإشكالات الحقيقية المرتبطة بالكهرباء، والطرق، والتشغيل.
وفي هذا السياق، استحضرت الساكنة ما جرى بجماعة إساكن، حيث تم تسجيل تحركات ميدانية مفاجئة لإصلاح المصابيح الكهربائية وتحسين الواجهات، بقرار من رئيس الجماعة اليوسفي عبد السلام، الذي يوصف محلياً بكونه أحد الأسماء التي راكمت نفوذاً كبيراً في المنطقة خلال فترات سابقة بفضل عائدات المخدرات ، قبل أن يغيّر وجهته نحو الاستثمار في ما بات يُعرف بـ“الكيف الحلال”، في إطار سياسة تقنين زراعة القنب الهندي.
ورغم هذه التحركات، تؤكد الساكنة أن أزمة الكهرباء تظل العنوان الأبرز لمعاناة كتامة، حيث تعاني أغلب الدواوير من ضعف التزويد والانقطاعات المتكررة، ما يغرق المناطق في ظلام دامس ليلاً، ويشل الحياة اليومية للسكان.
ويحمّل المواطنون الشركة الجهوية متعددة الخدمات مسؤولية هذا الوضع، معتبرين أن تدبيرها للقطاع زاد الطين بلة، بل “فاق سوء تدبير المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب سابقاً”.
ولا تتوقف الأزمة عند حدود الانقطاعات، بل تتعداها إلى ظاهرة السرقات المتفشية للكهرباء، خصوصاً المرتبطة بسقي نبتة القنب الهندي، وهي ممارسات معروفة في المنطقة، يقول متتبعون إنها كبّدت القطاع خسائر فادحة. وتشير معطيات متداولة إلى أن قيمة هذه الخسائر خلال سنة 2024 وحدها ناهزت 500 مليون سنتيم بدائرة كتامة، دون أن يقابلها أي ردع حقيقي أو تدخل صارم من الجهات المعنية.
ويرى المواطنون أن تعاقب المتدخلين، من المكتب الوطني سابقاً إلى الشركة الجهوية حالياً، لم يُفضِ إلى حسم هذا الملف الشائك، ما جعلهم يعلّقون آمالهم على تدخل مباشر لعامل الإقليم، باعتباره مسؤولاً ميدانياً قادراً على كسر منطق “الترقيع” وفرض احترام القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وإلى جانب الكهرباء، يرزح قطاع الطرق بدوره تحت الإهمال، حيث تحولت العديد من المسالك إلى مصائد حقيقية للسيارات، تعمّق عزلة الدواوير، وتزيد من معاناة الساكنة، خاصة خلال فصل الشتاء.
كما تتفاقم أزمة البطالة في صفوف الشباب، في ظل غياب بدائل اقتصادية حقيقية، ما يدفع الكثيرين إلى الهجرة أو الارتهان لاقتصاد هش وغير مهيكل، في منطقة لطالما وُضعت خارج أولويات التنمية.
وأمام هذا الوضع، تتساءل ساكنة كتامة عمّا إذا كانت زيارة عامل إقليم الحسيمة ستتجاوز منطق “المساحيق المؤقتة” إلى مواجهة حقيقية للاختلالات، أم أنها ستكتفي بجولة وسط جدران مطلية حديثاً ومصابيح أُصلحت على عجل، في انتظار أن يعود الظلام مجدداً بعد انصراف الموكب الرسمي.
