من كان يتخيّل أن حلم “مدينة منظمة” الذي بشّرت به الجماعة والسلطات المحلية سيتبخر بهذه السرعة القياسية؟ سوق إصبانن الذي صُمّم ليكون عنوانًا للنظام والهيكلة، أصبح اليوم لوحة مكتملة الأركان للفوضى “المُمأسسة”، بتدبير مترنح ومشهد إداري يثير أكثر من علامة استفهام. المسؤولية هنا ليست شبحًا مجهولًا؛ فالمؤسسة المحلية، وعلى رأسها باشوية المدينة وبعض عناصر الشرطة الإدارية—الذين يكثر الحديث حول ارتباط بعضهم بأنشطة غير مرتبطة بالعمل الإداري—توجد اليوم في مرمى الانتقاد الشعبي على الأقل، وسط روايات واسعة بين المواطنين عن تساهلات مقابل التغاضي عن احتلال الملك العام… وهي معطيات تتداولها الساكنة وتستوجب على السلطات فتح تحقيق واضح بدل الصمت.
المفارقة المؤلمة أن الموقع الذي استنزف ميزانية عمومية ليظهر كواجهة حضرية محترمة، عاد سريعًا إلى نقطة الصفر… أو ربما ما دونها بقليل. “عادت حليمة إلى عادتها القديمة” لم تعد مجرد مثل شعبي، بل توصيف دقيق لما يحدث على الأرض.
وهنا يطلّ سوق “إشوماي” المجاور للمستشفى الحسني، ليقدّم درسًا مجانيًا في “كيف نُجهض المشاريع الهيكلية في أقصر مدة ممكنة”. مشروع بشّر يومًا بإنهاء العشوائية تحوّل اليوم إلى فضاء يعج بالاختلالات: فوضى بطعم السخرية ومرارة الإهمال.
قبل سنوات، ومع عهد الرئيس الراحل مصطفى أزواغ، رفعت الجماعة شعارات براقة:
تنظيم… هيكلة… إدماج… مستقبل أفضل.
كل شيء كان يبدو واعدًا: افتتاح رسمي، خطب وتصفيق، آمال كبيرة، ثم… أُطفئت الأنوار فجأة ، بعد نهاية ولاية الرئيس الأسبق !
جناح الخضر اليوم يشبه متحفًا مهجورًا، أما جناح السمك فيحاول حفظ ماء الوجه لكنه يغرق بدوره وسط سوء تنظيم صارخ: صناديق مبعثرة، نفايات بلا صاحب، وروائح تقول بسخرية: “هنا تُدفن النوايا الحسنة… دون جنازة ولا معزين!”
وفي الجهة المقابلة، يواصل سوق “إشوماي الأصلي” نموه… لكن في الاتجاه الخطأ! نسخة محلية من “حارة مومباي”: احتلال كامل للملك العام، انسداد الأزقة، ضجيج بلا توقف، وروائح تزحف نحو المستشفى الحسني، وكأن المرضى يحتاجون “دعمًا إضافيًا”… ولكن من رائحة الفوضى هذه المرة!
أما السيد الباشا وبعض عناصر الشرطة الإدارية، فيبدون وكأنهم ضبّطوا مؤشراتهم على وضعية “الطيار الآلي”. حضور باهت، تدخل ضعيف، ومشهد ميداني يعلّق ساخرًا: هل نحن أمام سوق عشوائي… أم إدارة عشوائية للعشوائية نفسها؟
سوق إشوماي اليوم تحكمه قاعدة واحدة: “من سبق احتل!”
الساكنة لم تعد تبحث عن المعجزات؛ فقط تريد قليلًا من النظام، قليلًا من الاحترام، والقليل جدًا من حضور دولة اسمها “السلطة”.
وفي المقابل تحوّل سوق إصبانن إلى شبه ملحقة مهجورة بلا روح… مجرد هياكل تحتضر وسط العدم.
وللمفارقة المؤلمة حد السخرية، يعيش سكان حي المستشفى الحسني قرب مؤسسة يُفترض أنها تُعالج الأمراض، بينما يعيشون يوميًا في حالة “غرفة إنعاش مفتوحة على الفوضى”: ضجيج لا يهدأ، روائح لا ترحم، وأعصاب سكان بلغت مرحلة “الإرهاق الصحي”.
اليوم لم يعد السؤال: متى تصل التنمية؟
بل أصبح: هل لدى المسؤولين الشجاعة لفتح أعينهم قبل أن تُقرأ الفاتحة على ما تبقى من صورة الناظور المنظمة؟
أم أن الأمر يتجه رسميًا نحو ترسيم علامة جديدة مسجلة باسم المدينة:
“الفوضى المهيكلة”… صنع في الناظور !
27/12/2025