يحدد المغرب اختيارته الكبرى وعلى أساسها دخوله في شراكات اقتصادية استراتيجية في عمقه القاري بعد حدد خطوطها العريضة مع نظرائه من الأوروبين. فالقارة الإفريقية محط تنافس بين القوى الكبرى، والمغرب صار في حوزته رصيد من المصداقية في غرب ووسط إفريقيا، إذ يعتبر ثاني مستمثر فيها، وله حضور قوي على المستوى الدبلوماسي والديني.
وتعرف الهندسة السياسية للمغرب في توجهه نحو أفريقيا تعرف تحولات كبيرة، وتعطي إشارات سياسية واضحة وقوية، بأن المملكة المغربية تراهن على دورها الاستراتيجي في مد جسور التواصل مع بقية الدول الأفريقية، الأمر الذي يحتم عليها التفكير في إعادة التموقع بالمجال الأفريقي. حفاظا على المكتسب الاقتصادي الذي يستتبعه ارتداد سياسي، بما أن المغرب اختار تحديد صدقية شراكاته على أساس احترام السيادة المغربية على كامل ترابها، وهذا هو المعيار الذي حددته المملكة في ربط أي علاقات اقتصادية سواء مع الشركاء التقليدين أو الجدد منهم.
رؤية استراتيجية
وتتجاوز الرؤية السياسية المغربية، وفق أستاذ العلوم السياسية عبدالحفيظ السعيدي، لمنطق الربح في العلاقات مع القارة الإفريقية حيث أصبح تعتمد المملكة على الاستثمار المنتج، والنقل الجوي والبحري والخدمات المالية والمصرفية، بالإضافة لتصدير التجربة والمعرفة والخبرة والتقنية، على غرار مشروع أنبوب الغاز نيجيريا المغرب الذي يمر عبر13 دولة إفريقية وسيمر على الصحراء المغربية ما يعني ضمنيا أن هذه العواصم أقرب إلى التوجه المغربي منه إلى الطرح الإنفصالي الذي تدعو إليه جبهة البوليساريو وتروج له الجزائر.
التوجه الاقتصادي ذي الصبغة السياسية للمغرب نحو عمقه الأفريقي، يقول المحلل السياسي لـ”الأيام 24″ إنه يندرج أساسا في سياق المساهمة الفعالة في التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لكل الأفارقة. وتعزيز المغرب لشراكاته الاقتصادية، وعودته لحضن الاتحاد الأفريقي، والموافقة المبدئية على انضمامه للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
وأضاف أن الخطاب الملكي الأخير يرسم معالم السياسية الخارجية للمغرب في تفاعله مع العمق الإفريقي، حيث سلط الضوء على شراكة المغرب مع البلدان الأفريقية المتمثلة في خطة رابح-رابح من خلال المشاريع التنموية الكبرى وبرامج التنمية البشرية، مشيرا إلى أن الأفق الآن هو أن ينطلق المغرب بهذا التدافع الاستراتيجي مع القوى الاستراتيجية على مستوى القارة وعلى رأسها الجزائر ونيجيريا”، مشددا على أن “الرباط تستثمر في علاقات جنوب – جنوب مع الأخذ بعين الاعتبار قاعدة رابح-رابح، أي مكاسب مشتركة.
مكاسب سياسية واقتصادية
ويرى الأستاذ الجامعي أن المنطقي أن يكون المغرب بفضل استقراره السياسي والأمني والاقتصادي مقارنة مع جيرانه من دول شمال إفريقيا، منفتحا على أفريقيا باعتبارها المجال الحضري الوحيد الذي يسمح بإقامة شراكات.
أما في ما يتعلق بالمكاسب السياسية للمغرب من خلال التوجه الاقتصادي، يوضح السعيدي أن المغرب “لا يفعل ذلك من أجل المزايا السياسية”، لكن التوافق الاقتصادي “ضرورة سيحقق نوعا من التوافق السياسي، والتقارب في الرؤى حول قضايا مختلفة من بينها قضية الوحدة الترابية للمملكة”، إضافة إلى أن توجه تمليه متطلبات اقتصادية ملحة في ظل أزمة اقتصادية الراهنة، اليت يعشيها العالم وأوروبا الشريك الأساس للقارة، كما تمليه ضرورة رجوع المغرب لأفريقيته ثقافيا وسياسيا واقتصاديا، علاوة على ملف الصحراء في أفق الاتفاق حول حل سياسي للقضية.
كواليس الريف: متابعة
10/11/2022