كلما تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، يستحضر الإعلام الجزائري لازمة الرئيس عبد المجيد تبون، التي مفادها أن بلاده تقف مع فلسطين “ظالمة أو مظلومة”، وعندما تطرق إلى الأمر مؤخرا خلال مشاركته في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، تم تصوير الأمر على أنه “بطولة”، لكن يبدو أن “نُصرة” القضية الفلسطينية لدى الجزائر لا يجب أن تمتد إلى الاحتجاج في الشوارع.
وتُطرح علامات استفهام كبيرة منذ 12 يوما، عن سبب غياب الجزائريين عن المشهد الاحتجاجي الذي تعيشه العديد من دول العالم، والذي كانت الكثير من المدن العربية مسرحا له، بما في ذلك المغرب، الجار الغربي للجزائر الذي قطع النظام الحاكم هناك علاقاته الدبلوماسية معه منذ 2021، ومن بين الذرائع التي ساقها حينها لإقامة الرباط علاقات مع إسرائيل.
آخر “الابتكارات” الجزائرية، كانت هي إعلان اتحادية كرة القدم، التي يوجد على رأسها الآن وليد صادي المقرب جدا من تبون، إيقاف كامل المنافسة الكروية في البلاد تحت يافطة “التضامن مع الشعب الفلسطيني”، والمثير في الأمر أن هذه الخطوة أتت بعد مساعي الفصائل التشجيعية تحويل المدرجات إلى مُنطلق للاحتجاج إبداءً للتضامن مع قطاع غزة ورفضا للعدوان الإسرائيلي.
وقالت الاتحادية إن هذه الخطوة تأتي “تضامنا مع الشعب الفلسطيني الشقيق الصامد، واحتراما لأرواح الشهداء الأبرار جراء العدوان الصهيوني الوحشي على أبناء فلسطين المحتلة في قطاع غزة”، لكنها أيضا تتزامن مع دعوات حزبية ومدنية متزايدة لإتاحة المجال للشعب الجزائري للخروج إلى الشارع والاحتجاج تضامنا مع الفلسطينيين، وهو الأمر الممنوع من طرف السلطات الجزائرية.
ويعاني النظام الجزائري من حساسية مفرطة تجاه الاحتجاجات، بعد حراك 2019 الذي تسبب في إنهاء فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، واستغلت السلطات الجديدة هناك جائحة كورونا في 2020 لمنع التجمعات الاحتجاجية، خصوصا بعد وصول تبون إلى رئاسة الجمهورية، وبعدها بأيام وصول السعيد شنقريحة إلى قيادة الجيش خلفا للراحل أحمد قايد صالح.
ومباشرة بعد التحركات الإسرائيلية ردا على عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة “حماس”، في 7 أكتوبر الجاري، قالت الرئاسة الجزائرية إن تبون والرئيس الفلسطيني محمد عباس أجريا مكالمة هاتفية، وفيها تم إطلاع الرئيس الجزائري “على التجاوزات الخطيرة التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية”.
لكن لجزائر لم تصدر حينها أي إدانة مباشر لإسرائيل، وفي الأيام الموالية منعت العديد من المحاولات لتنظيم احتجاجات كان من المقرر لها رفع شعارات مناوئة للأمريكيين والإسرائيليين، أبرزها مسيرة كان يفترض أن تتوجه إلى سفارة واشنطن في الجزائر العاصمة، وبسببها اعتقلت الشرطة القيادي في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، علي بلحاج، البالغ من العمر 67 سنة، بعدما قرر تحدي المنع.
وكان من المفروض تنظيم احتجاجات عارمة في العاصمة يوم الجمعة الماضي، الموافق لـ13 أكتوبر لكن المحتجين الذين كانوا سيتوجهون إلى وسط المدينة حاملين الأعلام الفلسطينية واللافتات، وجدوا أنفسهم أمام حدث غريب، بسبب عدم وجود وسائل نقل، والمبرر هو تعرضها لـ”سلسلة من الأعطاب”، بما في ذلك الحافلات والمترو.
وكان من الفروض أن تخرج احتجاجات أخرى في الأيام الموالية نتيجة استمرار الاستهداف الإسرائيلية للمدنيين، ولذلك شرعت حركة مجتمع السلم المعارضة في التعبئة لما قالت إنها تريدها مسيرة مليونية، لن النتيجة كانت هي اعتقال زعيمها السابق عبد الرزاق مقري، على اعتبار أن دعوته إلى التجمعات الاحتجاجية غير قانونية.
وتواجه السلطات الجزائرية “فوبيا” التجمهر خلال الأسبوع الحالي، خصوصا بعد القصف الإسرائيلي الذي استهدف مستشفى المعمداني في غزة أول أمس الاثنين، والذي أدى إلى سقوط المئات من المدنيين بمن فيهم النساء والأطفال، حيث وجهت أحزاب جزائرية طلبا للحكومة من أجل فتح المجال للتظاهر، على اعتبار أن الأمر يتعلق بقضية عليها حالة من الإجماع الشعبي والرسمي.
كواليس الريف: متابعة
19/10/2023