ملاحقة الفساد في المغرب … نهج مؤسسي أم موسمي؟

تواصل الحوار في المغرب حول الإجراءات المتخذة لمكافحة الفساد في المملكة، سواء من خلال متابعة 25 شخصًا، بما في ذلك “مسؤولون كبار”، في قضية اتهامهم بالتورط في تجارة المخدرات وتزوير وثائق رسمية، فيما يُعرف إعلاميًا بملف “اسكوبار الصحراء”، أو من خلال تجديد العرض بالعفو عن آخرين مقابل استعادة الأموال غير المشروعة المهربة إلى الخارج.

وفي حين أكد حقوقي مغربي في تصريحات لوكالة “الأناضول” أن هذه الإجراءات يجب أن لا تكون “ظرفية وانتقائية”، بل يجب أن تكون جزءًا من “رؤية مستدامة”، أثنى آخرون على اعتقال المسؤولين، معتبرين أن “السياسة لم تعد مجالًا للاختباء”، بينما أشارت الحكومة إلى جهود مستمرة في مكافحة الفساد وتقدم في التشريعات.

وفي الرابع من يناير الحالي، أعلن مكتب الصرف عن إجراءات تحفيزية لاستعادة الأموال غير المشروعة المهربة، تتضمن العفو عن أصحابها وعدم الكشف عن هوياتهم وإعفائهم من غرامات مالية، في حال تسليمها خلال مهلة تمتد من الأول من يناير إلى الحادي والثلاثين من ديسمبر المقبل.

وصف وزير المالية فوزي لقجع، أمام مجلس النواب في نوفمبر الماضي، عملية استعادة الأموال المهربة مقابل العفو بأنها “ناجحة وممتازة”، حيث أسفرت في عام 2020 عن استعادة 6 مليار درهم، و880 مليون درهم في 2019، وبلغت نحو 27 مليار درهم في 2014.

وفيما لا يوجد تقدير حديث حول إجمالي الأموال المهربة من المغرب، كشف تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد” في عام 2020 أن المملكة احتلت المرتبة الرابعة لأسوأ الدول الإفريقية في تهريب الأموال.

من جهته، علق رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، على إيقاف الـ25 شخصًا بالقول إنها “إيجابية ولكن غير كافية”، داعيًا إلى عدم جعل مكافحة الفساد تكون “ظرفية أو انتقائية”، بل يجب أن تكون ضمن “رؤية مستدامة”.

وأضاف الغلوسي أنه يجب اعتماد برنامج للوقاية من الفساد، مشيرًا إلى أن الدول الديمقراطية تتمتع بمؤسسات تحمي وتقي من الفساد، ودعا إلى “تصور آخر من أجل التصدي للظاهرة”.

وأشار إلى أن “الفساد وصل إلى مراحل متطورة”، مشيرًا إلى أن الشبكات المتورطة تعمل على مستويات متقدمة خارجية.

من جهة أخرى، اعتبر رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، إدريس السدراوي، أن توقيف المسؤولين “شجاعة وتبعث رسائل مهمة”، مؤكدًا أن “المجال السياسي لم يعد مجالًا للاختباء”، مع التأكيد على أهمية تصحيح وتنقية المجال السياسي.

ولكنه أخذ يقلل من مبادرة استعادة الأموال المهربة مقابل العفو، معتبرًا أن “التسوية التلقائية خطوة ليست لها جدوى”، ودعا إلى “ربط المسؤولية بالمحاسبة مع استرجاع الأموال المنهوبة”، مؤكدًا على ضرورة التحقيق والتنسيق الدولي لمتابعة ناهبي المال العام.

وفقًا لتقرير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها عن عام 2022، تلقى الخط المباشر الخاص برئاسة النيابة العامة أكثر من ثمانية آلاف اتصال للإبلاغ عن رشوة في 2021، مما أدى إلى ضبط 205 حالات تلبس بجريمة الرشوة.

وحصل المغرب على 38 نقطة فقط من 100 في مؤشر الفساد لعام 2022 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، محتلا المركز 94 من بين 180 دولة، مسجلا تراجعا مستمرا منذ عام 2018.

منتقدون يرىون أن أحد أسباب الفساد في المغرب هو انفصال التشريع لمكافحته عن التطبيق الفعلي للقوانين، وفقًا لرئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.

يشدد على أهمية تجفيف منابع الفساد وتطبيق قوانين مكافحته على أرض الواقع، داعيًا إلى وجود رؤية شمولية في السياسات العمومية لمحاربة الفساد .

وكالات : بتصرف