في تطور دبلوماسي لافت، تقترب الرباط ومدريد من فتح مكاتب الجمارك في مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، بعد مفاوضات ماراثونية استمرت عامين وثمانية أشهر.
خطوة وُصفت بأنها تحوّل جذري في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، تأتي بعد توافق سياسي حققته إسبانيا بدعمها الصريح لمغربية الصحراء.
هذه الخطوة المرتقبة تهدف إلى إعادة صياغة العلاقة الاقتصادية بين المغرب وإسبانيا، مع التركيز على المصالح المتبادلة والسيادة الوطنية.
وحسب ما أفادت صحيفة “إلباييس” الإسبانية، تقترب إسبانيا والمغرب من إتمام ترتيبات تاريخية لإعادة فتح الجمارك في مدينتي سبتة ومليلية، بعد أكثر من ثلاث سنوات من المفاوضات الشائكة التي شهدت توترات حادة في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ووصفت صحيفة “إلباييس” هذه الخطوة بأنها تحول جذري يُعيد الحياة إلى الشراكة الحدودية، ما يثير تساؤلات حول طبيعة التبادلات التجارية المتوقعة بين الجانبين.
وفي تقريرها، أشارت صحيفة “إلباييس” إلى أن الرباط كانت قد أغلقت جمارك مليلية بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار في غشت 2018، ما أثار جدلًا واسعًا حول أسباب القرار وتداعياته.
أما بالنسبة لسبتة، فقد أوضحت الصحيفة أن المدينة لم يكن لديها جمارك من الأساس، وهو ما يجعل الاتفاقية الجديدة تطورًا فريدًا يستحق المتابعة الدقيقة.
لكن صحيفة “إلباييس” أكدت أن التبادلات التجارية، رغم أهميتها، ستكون محكومة بقيود صارمة وتنظيم دقيق، حيث تنص الاتفاقية على السماح بعبور شاحنة واحدة فقط يوميًا عبر كل مركز جمركي في الاتجاهين، في خطوة تعكس حذر البلدين وإدارتهما الدقيقة لهذه المرحلة الحساسة.
وأشارت صحيفة “إلباييس” إلى أن قائمة المنتجات المسموح بتبادلها تشمل الفواكه، البقوليات، والأسماك القادمة من المغرب، في حين ستصدّر إسبانيا منتجات النظافة والتنظيف، الأجهزة المنزلية، والإلكترونيات.
هذه القائمة المحددة، كما أوردت الصحيفة، قد تكون البداية لتعاون أوسع، لكنها تفتح باب التكهنات حول تأثيرها المحتمل على الأسواق المحلية والإقليمية.
فيما كشفت جريدة “الفارو دي مليلية” عن تفاصيل مثيرة بشأن الاتفاق المرتقب بين المغرب ومليلية المحتلة، حيث يستعد المغرب لتصدير منتجات حيوية تشمل الفواكه، الخضروات، الأسماك، والمواد الخام، في خطوة تعكس انفتاحًا اقتصاديًا مدروسًا.
في المقابل، ستقتصر المنتجات الإسبانية المسموح بمرورها على قائمة محددة ستقررها السلطات المغربية بعناية، حسب الصحيفة، ما يضيف عنصر الغموض إلى طبيعة هذه القائمة.
وتابعت الصحيفة، أن المرحلة الأولى ستشهد استبعاد نظام المسافرين بالكامل، ما يثير تساؤلات حول مدى تأثير هذه الخطوة على ديناميكية التبادل التجاري وحدودها في المستقبل القريب.
وفي المقابل، أكدت المندوبة الحكومية في مليلية، سابرينا موه، حسب تقارير إسبانية، أن إعادة فتح الجمارك يتم بتنسيق كامل مع المغرب لضمان تحقيق كافة الضمانات، مشددة على أن هذه الجمارك لن تعود بالشكل السابق، بل ستتوافق مع متطلبات القرن الحادي والعشرين.
كما أوضحت أن العملية ستتم تدريجيًا لضمان تحقيق أفضل النتائج دون عقبات.
ورغم هذه التطمينات، أبدت المندوبة استياءها من انتشار “معلومات غير دقيقة” حول هذا الملف في بعض وسائل الإعلام، معتبرة أن نشر مثل هذه الأخبار قد يؤثر سلبًا على الجهود المشتركة.
من جهة أخرى، أعرب رئيس مدينة مليلية المحتلة، خوان خوسيه إمبرودا، عن تحفظه إزاء ما وُصف بشروط مغربية لتقييد حركة بعض البضائع، مثل مواد البناء والمنتجات الزراعية.
ورغم الجدل المحيط ببعض التفاصيل، يرى مراقبون أن هذا الاتفاق يمثل خطوة استراتيجية كبيرة للمغرب، الذي يسعى إلى تعزيز سيطرته على المعابر الحدودية وضمان تدفق منتجاته الوطنية بطريقة منظمة.
ويأتي ذلك في إطار سياسة شاملة انتهجها المغرب خلال السنوات الأخيرة، تتضمن تحديث البنية التحتية وتطوير الموانئ والمناطق الحرة لتعزيز موقعه كمحور تجاري بين أوروبا وإفريقيا.
ومع استمرار المفاوضات بشأن التفاصيل الفنية والتنفيذية، يبقى السؤال المطروح: كيف ستؤثر هذه الخطوة على العلاقة طويلة الأمد بين البلدين؟ وهل ستكون بداية لحقبة جديدة من التعاون أم ستواجه تحديات تعيق تنفيذها بالشكل المثالي؟
في النهاية، يبدو أن فتح الجمارك في سبتة ومليلية يمثل اختبارًا حقيقيًا لإرادة البلدين في بناء شراكة متوازنة. وبينما تسعى إسبانيا لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، يركز المغرب على تثبيت سيادته الوطنية وتعزيز نفوذه الإقليمي.
ويسود الترقب الأوساط الاقتصادية والسياسية، حيث تبقى النتائج النهائية مرهونة بقدرة الطرفين على تجاوز العقبات وتقديم نموذج جديد للتعاون الثنائي في منطقة تشهد تحولات متسارعة.
كواليس الريف: متابعة
03/01/2025