انتقلت قضية التنازلات الإسبانية لصالح المغرب في إدارة الهجرة غير النظامية إلى كندا، حيث سلطت مجلة “ماكغيل إنترناشيونال ريفيو” الضوء على هذه القضية الشائكة. المجلة، التي تُعتبر من أبرز المنصات الكندية الحاصلة على جوائز عديدة لتغطيتها قضايا السياسة الدولية والثقافية، أشارت إلى أن الحكومة الإسبانية، في سعيها لتحقيق سياسة التهدئة مع المغرب، قد وضعت التزاماتها بحقوق الإنسان تحت التساؤل. المجلة، التي يكتبها طلاب من جامعة ماكغيل الكندية وجامعات أخرى في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمكسيك، تناولت بالتحليل العلاقات الإسبانية-المغربية، خاصة فيما يتعلق بمدينتي سبتة ومليلية.
منذ فترة طويلة، كانت سبتة ومليلية نقاط توتر في العلاقات بين إسبانيا والمغرب، حيث يعتبر المغرب المدينتين “بقايا استعمارية إسبانية”، ويؤكد أنهما جزء من التراث الثقافي والتاريخي لشمال إفريقيا منذ القرنين السابع والثامن. في عام 2022، أرسل المغرب رسالة إلى الأمم المتحدة يعتبر فيها المدينتين بمثابة “سجون” وينفي وجود حدود مع إسبانيا. من جهتها، تؤكد إسبانيا أن سبتة ومليلية جزء من أراضيها منذ عام 1497 وما بعده. ومع ذلك، يبقى الوضع معقدًا بسبب استخدام المغرب للهجرة غير النظامية كأداة ضغط دبلوماسية، حيث أصبحت المدينتان نقاط عبور رئيسية للمهاجرين الراغبين في الوصول إلى أوروبا.
تشير الأرقام إلى أن المغرب أوقف أكثر من 3,300 محاولة عبور إلى مليلية و11,300 إلى سبتة في أغسطس 2023 فقط، معظمهم من المغرب والجزائر وتونس ودول إفريقيا جنوب الصحراء. وتتعامل السلطات مع المهاجرين الذين يتم اعتراضهم بإعادتهم إلى بلدانهم ما لم يطلبوا اللجوء أو يكونوا قاصرين. وفي هذا السياق، تعتمد إسبانيا بشكل متزايد على المغرب لإدارة حدودها، حيث تلقت المملكة 148 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي في عام 2018 لدعم جهودها في هذا المجال. ومع ذلك، يستخدم المغرب هذه العلاقة كأداة ضغط لتعزيز مطالبه الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالصحراء الغربية.
في خضم هذه التوترات، تتبع إسبانيا سياسة تهدئة مع المغرب، حيث قدمت تنازلات سياسية لتجنب الصدام، بما في ذلك دعم خطة الحكم الذاتي للصحراء الغربية في عام 2022. ومع ذلك، يرى المحللون أن هذه السياسة تتعارض مع التزامات إسبانيا بحقوق الإنسان، خاصة في ظل صمت حزب العمال الاشتراكي الإسباني (PSOE) عن انتقاد المغرب في المحافل الدولية. وفي النهاية، يبدو أن المغرب نجح في تحويل الهجرة غير النظامية إلى عملة دبلوماسية فعالة، مستفيدًا من التوجهات الأوروبية نحو تشديد سياسات الهجرة لتعزيز نفوذه السياسي والإقليمي.