من حين لآخر، يخرج علينا مسؤول إسباني متقاعد ليعيد إنتاج نفس الأسطوانة المشروخة: “الإسبان لا يصدقون أن المغرب بلد صديق”. هذه المرة، جاء الدور على الأميرال المتقاعد خوان رودريغيز غارات، الذي اختار برنامج Espejo Público ليعبر عن مخاوفه، وكأن المغرب هو المتهم الدائم الذي يحتاج لتبرئة نفسه في كل مرة. ربما نسي السيد الأميرال أن العلاقات الدولية لا تُبنى على مشاعر المواطنين أو الاستطلاعات الشعبية، بل على المصالح المتبادلة، التعاون الأمني، والواقع الجيوسياسي الذي لا يمكن إنكاره.
في مداخلته، أشار غارات إلى ما وصفه بـ “التناقض” بين الموقف الرسمي الإسباني، الذي يعتبر المغرب شريكًا استراتيجيًا، وبين الرأي العام الإسباني الذي “لا يصدق” هذه الصداقة، ولكن هل أصبح المزاج الشعبي معيارًا للعلاقات الدولية. لو كان الأمر كذلك، لكان على إسبانيا أن تعيد النظر في كثير من تحالفاتها. المغرب لا يحتاج لإثبات صداقته من خلال تصريحات إعلامية، لأن تعاونه الميداني في ملفات الهجرة، الأمن، والاقتصاد يتحدث عن نفسه، سواء اقتنع الإسبان بذلك أم لا.
في حديثه، لم يفوّت رودريغيز غارات الفرصة للتطرق إلى ملف سبتة ومليلية، معتبرًا أن هناك “مشاكل متكررة مع المغرب” كلما أُثير موضوع المدينتين، متهمًا الصحافة بـ”تضخيم الجدل”. هنا، نطرح سؤالًا بسيطًا: من الذي يعيد إثارة هذه القضية في كل مرة. المغرب أم بعض الأصوات في إسبانيا التي تحنّ إلى زمن الهيمنة.
ورغم ذلك، يعترف الأميرال نفسه بأنه لا يوجد خطر وشيك يهدد المدينتين، لكنه يفضل الإبقاء على “عنصر عدم اليقين”، ربما لتبرير زيادة الإنفاق الدفاعي أو خلق انطباع بوجود تهديد خارجي. لكن الحقيقة أن المغرب يعتمد سياسة واضحة قائمة على الحوار الدبلوماسي، وليس على إثارة الأزمات المصطنعة.
أثار غارات نقطة مثيرة للاهتمام عندما أبدى قلقه من ضعف موقف الاتحاد الأوروبي في الدفاع عن سبتة ومليلية، مؤكدًا أن “البند الذي يتحدث عن حماية هذه الأراضي لم يُعطَ أي قيمة”. كما أشار إلى أن معاهدة واشنطن لا تشمل صراحةً هاتين المدينتين، مما يترك إسبانيا في مأزق استراتيجي.
بمعنى آخر، حتى أقرب حلفاء مدريد لا يرون في سبتة ومليلية قضية ذات أولوية أمنية، فكيف لإسبانيا أن تتوقع من المغرب أن يقبل بالأمر الواقع دون أي تحفظات؟ الزمن تغير، والمعادلات الدولية لم تعد كما كانت في الماضي.
من الواضح أن التصريحات جاءت أيضًا في سياق القلق الإسباني من السياسة الأمريكية، حيث أشار غارات إلى أن عودة دونالد ترامب قد تؤثر على التوازنات في المنطقة، خاصة أن ترامب خلال ولايته الأولى كان داعمًا قويًا للمغرب في ملفات رئيسية مثل قضية الصحراء المغربية. وبالتالي، يبدو أن بعض الأوساط الإسبانية تخشى أن تجد نفسها خارج الحسابات الأمريكية في المستقبل.
إذا كان بعض الإسبان، حسب تصريحات غارات في Espejo Público، لا يصدقون أن المغرب بلد صديق، فالمغرب ليس مطالبًا بإثبات ذلك، لأنه يتصرف كدولة مسؤولة تدير سياستها الخارجية بناءً على التعاون المتبادل، المصالح المشتركة، والاحترام المتبادل.
أما التشكيك المتكرر في هذه الصداقة، فهو ليس سوى تعبير عن قلق إسباني متزايد من التحولات الجيوسياسية التي لم تعد تصب في صالحها. وكما يقول المثل المغربي: “اللي ما بغاش يصاحبك، ما تلزموش عليك”، والمغرب ماضٍ في طريقه، سواء صدّقه الإسبان أم لم يصدّقوه.
17/03/2025