kawalisrif@hotmail.com

الحسيمة :   مدرسة للغوص تتحول إلى مارينا تجارية خاصة تدر الملايين يوميا على أصحابها … والمدينة لا تستفيد شيئًا !

الحسيمة : مدرسة للغوص تتحول إلى مارينا تجارية خاصة تدر الملايين يوميا على أصحابها … والمدينة لا تستفيد شيئًا !

في زاوية ساحرة من شواطئ الحسيمة، وتحديدًا على شاطئ أسلي، يتجلّى اليوم مشهد صارخ لما يمكن تسميته بـ”الاستحواذ الهادئ” على الملك العمومي البحري، تحت غطاء الاستثمار السياحي. مشروع انطلق في بدايته تحت عنوان نبيل: مدرسة لتعليم الغوص، قبل أن يكشف لاحقًا عن وجه آخر، ويتحوّل تدريجيًا إلى مارينا مغلقة، مطعم راقٍ، وخدمات ترفيهية خاصة، محاطة بجو من الامتيازات، لا صلة لها بمفاهيم التنمية المحلية أو العدالة المجالية.

من فضاء مفتوح لعامة المواطنين إلى منطقة مغلقة لا يصلها إلا أصحاب الامتياز. لا إشعار، لا استشارة، لا دراسات اجتماعية معلنة. فقط تمدّد بطيء، أشبه بتقنية “التعوّد التدريجي”، حيث يصبح غير الطبيعي طبيعيًا، ويصبح الإقصاء أمرًا معتادًا.

مع ازدياد رقعة المشروع، بات الوصول إلى الشاطئ أمرًا معقدًا بالنسبة للزوار والمواطنين المحليين، الذين لطالما اعتبروا أسلي متنفسهم المجاني في فصل الصيف. اليوم، يُواجهون بمارينا ذات ولوج محدود، ومطعم يفرض أسعارًا تفوق القدرة الشرائية لأغلب ساكنة المنطقة. أما المساحة الرملية المتبقية، فباتت مهددة بالتحوّل إلى امتداد إضافي لهذا المشروع، أو بمزيد من التضييق تحت مسميات مختلفة.

والأخطر أن سلامة المصطافين أصبحت مهددة بشكل يومي، نتيجة الانتشار المفرط والعشوائي لاستخدام الدراجات المائية (جيتسكي) في محيط الشاطئ، دون وجود مراقبة كافية أو مسارات منظمة. أصوات المحركات تزعج، وسرعتها تشكّل خطرًا، ولا أحد يجيب عن هذا التسيّب.

المفاجأة الكبرى تكمن في أن هذا التمدد الاستثماري يتم في تناقض صريح مع ما تنص عليه الدورية المشتركة بين وزارتي الداخلية والتجهيز، والتي وضعت شروطًا صارمة لاستغلال الملك العمومي البحري، من أهمها احترام مبدأ المصلحة العامة، إشراك الجماعات المحلية، وضمان ولوج عمومي منصف.

لكن في أسلي، يبدو أن كل تلك الضوابط تم تجاوزها أو تجاهلها عن عمد. المشروع يحصل على الضوء الأخضر دون توضيحات، ويتمدد وكأنه فوق المساءلة. لا محاضر رسمية منشورة، ولا رأي للساكنة أو المجتمع المدني. والنتيجة: مدينة لا تستفيد، وساكنة تُقصى، وملك عمومي يُحتكر.

ما يحدث في أسلي هو تكريس واضح لمنطق الامتيازات بدل الحقوق، وتحويل الفضاءات العمومية إلى مشاريع نخبوية مغلقة. هذه المشاريع لا توفّر فرص شغل حقيقية، ولا تنعكس إيجابًا على الاقتصاد المحلي، بل تعمّق الهوة بين سكان المدينة وزوارها من جهة، وبين أصحاب النفوذ والمصالح من جهة أخرى.

شاطئ أسلي يُفرّغ اليوم من مضمونه العمومي، ويتحول تدريجيًا إلى ملك خاص غير معلن. في الوقت الذي تتحدّث فيه الدولة عن التنمية المستدامة والعدالة المجالية، يعيش هذا الشاطئ تجربة معاكسة تمامًا، حيث لا تنمية، ولا عدالة، بل استغلال مفرط للموارد، وتهميش ممنهج للسكان.

 

24/06/2025

Related Posts