في واحدة من أجرأ العمليات الأمنية، أعلنت الحرس المدني الإسباني عن تفكيك شبكة إجرامية غير مسبوقة كانت تعتمد على طائرات مسيّرة ثابتة الجناح لعبور مضيق جبل طارق، في رحلات ليلية آلية بين السواحل الشمالية للمغرب والمنطقة الجنوبية لإسبانيا، محملة بكميات من الحشيش.
العملية التي أُطلق عليها اسم “Operación Ruche” (عملية الرُّوش) أدت إلى توقيف تسعة أشخاص وحجز ثمانية طائرات مسيّرة متطورة و210 كيلوغراماً من الحشيش، إلى جانب 320 ألف يورو نقداً ومعدات إلكترونية عالية الدقة.
وحسب التحقيقات، فإن الشبكة كانت تقتني طائراتها عبر الإنترنت بمبلغ لا يتجاوز 800 يورو، قبل أن تُحوِّلها داخل ورشة سرية في منطقة ألكالا دي لوس غاثوليس بإقليم قادس إلى آلات طيران مبرمجة بتقنيات GPS متطورة، قادرة على التحليق لمسافة 200 كيلومتر ذهاباً وإياباً دون تدخل بشري.
التحقيقات المشتركة بين الحرس المدني الإسباني والدرك الملكي المغربي، مدعومة بتنسيق أوروبي عبر يوروبول، كشفت عن مستوى عالٍ من التنظيم التقني داخل الشبكة، حيث كانت الطائرات تقلع من مناطق جبلية جنوب إسبانيا، متجهة نحو مواقع محددة في شمال المغرب لتحميل الشحنات، ثم تعود لتفرغها في مناطق ريفية معزولة قرب تريفة وبيخير، حيث ينتظرها فريق آخر لتجميعها ونقلها إلى الداخل الإسباني.
ووفق المصادر الأمنية الإسبانية، فإن العملية تُعدّ الأولى من نوعها التي يتم فيها استخدام طائرات بدون طيار ذات حمولة كبيرة في عمليات تهريب يومية بين ضفتي المتوسط، ما يفتح جبهة جديدة في حرب “السماء المنخفضة” ضد شبكات المخدرات.
أكد بدرو فرنانديث، المندوب الحكومي في الأندلس، أن العملية كانت ثمرة تعاون وثيق بين الأجهزة الإسبانية ونظيرتها المغربية، مشيراً إلى أن “المواجهة مع شبكات التهريب لم تعد تقتصر على البحر والبر، بل امتدت إلى الجو، مما يستدعي حلولاً استخباراتية وتقنية متقدمة”.
من جهتها، اعتبرت مصادر أمنية مغربية أن هذا التطور “يعكس الطبيعة الديناميكية لشبكات التهريب التي تحاول الالتفاف على المراقبة البحرية المكثفة في المضيق”، مؤكدة أن التنسيق المغربي–الإسباني “يبقى عاملاً حاسماً في إفشال مثل هذه العمليات التي تمسّ بصورة البلدين”.
أسفرت عملية “الرُّوش” عن نتائج وُصفت بـ”النوعية”، إذ تم حجز 10 طائرات إضافية قيد التجميع داخل الورشة السرية، وأجهزة ملاحة وبرامج طيران ذات دقة عالية، ما يكشف حجم الاستثمار الإجرامي في هذا المجال.
وفي تصريحات لوسائل الإعلام الإسبانية، قال الجنرال لويس أورتيغا كارمونا، قائد المنطقة الرابعة بالحرس المدني: “نواجه جيلاً جديداً من المهربين يعتمد على الذكاء الاصطناعي والطيران الآلي. لكننا نردّ بتقنيات مضادة ورصد إشارات دقيقة، بمساعدة من المغرب وشركائنا الأوروبيين”.
تأتي هذه العملية في إطار الخطة الخاصة بالأمن في منطقة جبل طارق التي أطلقتها مدريد عام 2018، والممتدة حالياً حتى 2026، بميزانية تتجاوز 160 مليون يورو. وقد أسفرت الخطة حتى الآن عن توقيف أكثر من 2000 شخص ومصادرة 136 طناً من المخدرات ومئات القوارب والمركبات.
ورغم ذلك، لا تزال المنطقة توصف بـ”مختبر الجريمة المنظمة”، نظراً لموقعها الجغرافي الذي يجعلها نقطة تماس حساسة بين ضفتي المتوسط، حيث تختلط مصالح الجريمة بشبكات عابرة للحدود.
من الواضح أن شبكات التهريب أعادت رسم مساراتها في ظل تشديد المراقبة البحرية، لتنتقل من زوارق “الفانتوم” السريعة إلى طائرات “الأشباح” الصغيرة، في محاولة جديدة للالتفاف على أعين الأمن.
لكن كما يعلّق مصدر أمني مغربي رفيع: “كلما حاولت العصابات التحليق بعيداً، وجد الأمن طريقه إلى السماء أيضاً.”











