في خطوة جديدة من مسلسل البلاغات المتكررة، خرجت جبهة البوليساريو الانفصالية، أمس الخميس، لتعلن كالعادة عن “هجمات خاطفة” طالت ما سمّته “مراكز القيادة والسيطرة” و”مرابض مدفعية” للقوات المسلحة الملكية، متحدثة عن “خسائر فادحة”. تصريحات ضخمة… لكن بلا صور، بلا أدلة، وبلا أي تأكيد من مصادر مستقلة أو أممية، كما يحدث منذ سنوات طويلة.
وتبدو هذه البلاغات أقرب إلى رسائل داخلية موجهة لرفع المعنويات في مخيمات تندوف، حيث تعيش الجبهة تحت ضغط أزمات متتالية وتراجع غير مسبوق في نفوذها.
يأتي هذا التصعيد الإعلامي في وقت تتقلص فيه مساحة الطرح الانفصالي يوماً بعد يوم، بفعل التحولات الكبرى التي يشهدها ملف الصحراء المغربية على الساحة الدولية والميدانية. فبعد عقود من سرديات روجت لها الجبهة بدعم مباشر من الجزائر، أصبحت الوقائع تتحرك في اتجاه آخر تماماً.
القرار الأخير لمجلس الأمن شكّل نقطة تحول حاسمة، ورسّخ مركزية مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد واقعي وذي مصداقية، واضعاً حداً نهائياً لخطاب الاستفتاء والخيارات القديمة. خطوة اعتُبرت بمثابة انتصار دبلوماسي جديد للمغرب، وعودة قوية لمسار سياسي قائم على التوافق والواقعية.
أمام هذا التحول، تجد البوليساريو نفسها أمام حائط مسدود، فترد بالتصعيد اللفظي والتهديدات العسكرية في بيانات تُقدَّم على أنها “مقاومة”، بينما يحاول قادتها الحفاظ على ما تبقى من السيطرة داخل المخيمات.
لكن هذه التهديدات لا تحظى بأي اهتمام دولي، ولا تجد حتى دعماً معلناً من الجزائر التي تستضيف قيادة الجبهة فوق ترابها. هذا الصمت الرسمي يراه مراقبون تناقضاً واضحاً بين خطاب “التهدئة” الجزائري وبين استمرار السماح للبوليساريو بإصدار بيانات نارية من قلب تندوف.
وفي الوقت الذي تنشغل فيه الجبهة بالبلاغات التصعيدية، يواصل المغرب تنزيل مشروع الحكم الذاتي على الأرض: تعزيز المشاركة السياسية، توسيع صلاحيات الجهات، وإطلاق استثمارات ضخمة في البنية التحتية، والطاقات المتجددة، والاقتصاد البحري، في إطار رؤية تنموية شاملة.
كما يحافظ المغرب على خطاب الهدوء والحوار، حيث جدّد الملك محمد السادس—غير ما مرة—دعوة المغرب إلى بناء علاقات طبيعية مع الجزائر، وإلى إيجاد مخرج إنساني يعيد للمحتجزين في تندوف حقهم في العودة إلى وطنهم، بعدما طال النزاع أكثر مما يجب.
14/11/2025











